موسكو حضرت بـ”ملائكتها” الديبلوماسية والسياسية في الازمة السورية منذ لحظة انطلاقها. الآن تحضر بجيشها وطائراتها وأسلحتها. العسكرة الروسية في سوريا تغير قواعد اللعبة. خطوة كهذه لا تندرج في السياق التكتيكي، انها نقلة استراتيجية.
باسم محاربة الارهاب تنتقل موسكو في بلاد الشام من السياسي الى العسكري. وتحت العنوان نفسه حضرت واشنطن في الازمة السورية. الاميركي لم يفعل في هذه الحرب سوى الاحتواء، بينما يتطلع الروسي الى كيّ الجذور. الاول خاضها بحلفاء خارجيين غير فاعلين لكل منهم حساباته الخاصة بعدما عزل الاسد عنها ولم يجد حليفاً محلياً مجدياً، بينما يخوضها الثاني الى جانب النظام الذي يريدها لإطالة عمره في الحكم والاستمرار في السلطة.
الحرب على الارهاب ليست نزهة صيفية. ورحلة الإياب الى المناطق التي خسرها النظام قد تكون أكثر كلفة على سوريا وأهلها من رحلة الخروج منها. وقبل وصول جيش النظام الى معاقل “داعش” لا بد من المرور في كانتونات المعارضات المسلحة الاخرى المصنفة معتدلة. فهل يغتنم الحلف الجديد حربه لإلغائها، مع ما يترتب على ذلك من ردود فعل متوقعة من “الاصدقاء”، أو لتطويعها قبل أي تسوية محتملة؟ في أي حال، إن بوتين على الارجح لن يذهب فيها بعيدا لانه يدرك ان ثمة من ينتظر موسكو عند المفترق لإغراقها في افغانستان جديدة.
لكن حضور روسياً عسكرياً يتجاوز الحرب على الارهاب الى ما هو أبعد. حضرت ليس فقط لمنع سقوط نظام الاسد المهدد، بل ايضا لبناء قاعدة ثابتة في هذا البلد والحفاظ على حضورها في الشرق الاوسط واعادة النظر في المعادلات الحالية القائمة فيه. فعندما ترتدي موسكو البزة العسكرية خارج حدودها ينشط الحوار الاستراتيجي مع واشنطن وهذا ما يحصل فعلاً، وان يكن البيت الأبيض يخفي عادة ما يبيّته. نجاح حوار كهذا قد يفضي الى تسويات او مبادلات في اكثر من جبهة مشتعلة من اوكرانيا الى ليبيا الى العراق. اكثر من ذلك، ان وجود هذه البزة على الارض السورية من شأنه ان يلجم لغة التهديد التركية والحسابات التوسعية، ويفرض قواعد اشتباك جديدة مع اسرائيل التي دخلت ايضا على خط التفاوض مع موسكو.
حتى في صفوف الاصدقاء الباقين للاسد، سيكون الحضور القوي الروسي ميدانياً على حساب النفوذ المتمادي لـ”الصديق” الاقل قوة، اي الايراني، خصوصاً ان بوتين يشجع دوراً مصرياً بقيادة “صديقه” السيسي في سوريا لتوفير ضمانات عربية مفقودة.
أول تأثيرات المستجد الروسي سيكون في ما يسمى “سوريا المفيدة” الممتدة من الساحل الى دمشق، أي الجزء المحاذي للبنان، فهل في هذا البلد المتخبط بنفسه من يستعد لهذا التغيير الحاسم على الحدود؟
المصدر : النهار