مقالات

طارق الحميد – مصر تؤيد روسيا في سوريا!

من المثير أن تعلن مصر عن تأييدها للتدخل الروسي في سوريا٬ ومهما كان الموقف المصري أصلا! مصر٬ وعلى لسان وزير خارجيتها سامح شكري٬ تقول إن «المعلومات المتاحة لدينا خلال اتصالاتنا المباشرة مع الجانب الروسي تؤشر إلى اهتمام روسيا بمقاومة الإرهاب والعمل على محاصرة انتشار الإرهاب».

مضيًفا أن «دخول روسيا بما لديها من إمكانات وقدرات في هذا الجهد٬ هو أمر نرى أنه سوف يكون له أثر في محاصرة الإرهاب في سوريا والقضاء عليه»! هذا التصريح يعني أن هناك نقاًطا خلافية جادة مع مصر.

هناك إشكالية حقيقية إذا كانت مصر تصدق أن الروس جادون بمكافحة الإرهاب٬ وهم٬ أي الروس٬ يقصفون المعارضة السورية٬ ولم يستهدفوا «داعش» بضرباتهم إلا خمسة في المائة فقط! والإشكالية الأخرى٬ أن هذه التصريحات المصرية تظهر تهاوًنا٬ ولا أقول تعاطًفا٬ مع المجرم بشار الأسد٬ ولا ترى أن جرائمه هي السبب فيما وصلت إليه سوريا٬ وأن الأسد هو الراعي الرسمي للإرهاب٬ وسبب ظهور «داعش» هناك.

والموقف المصري هذا يظهر إشكالية توحي بأن القاهرة لا تكترث بالتنسيق الروسي ­ الإيراني الداعم للأسد٬ خصوًصا وأن دمشق تحت الحماية الإيرانية٬ فهل ترى مصر بذلك ضماًنا كافًيا لمحاربة الإرهاب؟ أو حفاًظا على وحدة دولة عربية؟ ما يجب أن يقال٬ وإن تأخر كثيًرا٬ إن هناك خللاً حقيقًيا في فهم الأزمة السورية بمصر٬ نخبوًيا وسياسًيا.

مصر ليست سوريا٬ وتونس ليست ليبيا٬ ولا اليمن٬ ولا توجد وصفة واحدة لكل أزمات ما عرف بالربيع العربي٬ وبالتالي لا يوجد اتساق بالمواقف٬ إلا من ناحية حقن الدماء٬ والحفاظ على الدولة٬ وليس رأس النظام٬ وخصوًصا في حال كان مجرًما مثل الأسد.

ما لا يعيه البعض بمصر أن جيش الأسد طائفي٬ وأبدل الآن بالميليشيات الشيعية٬ والإيرانية٬ والقوات الروسية٬ وليس كالجيش المصري. وأن الأسد يستعين بإيران٬ وعملائها٬ للتنكيل بالسوريين٬ وليس كالمؤسسة العسكرية المصرية التي ساندت شعبها٬ وتحركت تحت غطائه٬ وبالتالي نالت دعًما عربًيا.

وما لا يعيه البعض بمصر أيًضا أن الأسد٬ الذي قتل بسببه ربع مليون سوري٬ وشرد ملايين آخرين٬ هو أول نظام عربي يستعين بدولة خارجية لضرب شعبه بعد أن استعان بميليشيات طائفية٬ وهذا ليس كالحالة المصرية. وما لا يعيه البعض بمصر أيًضا هو أن التدخل العسكري الأجنبي بالمنطقة لم ينفع دولة قط٬ ونحن هنا نتحدث عن احتلال٬ وليس تحريًرا كالحالة الكويتية٬ وكان وقتها تحالًفا دولًيا.

فلا نفع الاحتلال الأميركي العراق٬ ولا أفغانستان٬ ولن ينفع التدخل الروسي سوريا٬ ولا حتى الأسد٬ كما لم ينفع العدوان الإيراني أحًدا بالمنطقة. ولذا فإن الموقف المصري مستغرب٬ ومقلق للمؤملين بمصر٬ ولا بد من القول إن السياسة ليست مناكفة٬ ولا هي محكومة بلون أبيض أو أسود٬ في السياسة كثير من اللون الرمادي٬ وبالحالة السورية اللون أحمر بحمرة الدم.

المصدر : الشرق المتوسط 

زر الذهاب إلى الأعلى