مقالات

القدس العربي – رمضان قديروف رئيسا لسوريا؟

لم تلفت تصريحات رمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان، حول سوريا، الجمعة الماضية، اهتمام المعلّقين، رغم دلالاتها البالغة وتفاعلاتها الكبيرة الممكنة.

طالب قديروف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السماح لـ»كتائب الموت» الشيشانية التابعة له بالذهاب إلى سوريا لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» قائلا بالحرف: «هذا ليس كلاما فارغاً. في 1999 عندما احتل هؤلاء الشياطين الشيشان أقسمنا على القرآن بأننا سنحاربهم طوال حياتنا أينما كانوا»، والمقصود بـ»الشياطين الشيشان» المحاربون للاستقلال عن روسيا خلال حرب الشيشان (الثانية)، معلّقاً الأمر بموافقة «القائد العام للقوات المسلحة الروسية» فلاديمير بوتين.

قديروف، الحاصل على عدد هائل من الميداليات العسكرية مثل «بطل روسيا الاتحادية»، و«الشجاعة»، و«تقدير الوطن الأب»، و«التميّز في حماية النظام العام»، يحظى فوق كل ذلك بمحبة خاصة من قبل رئيسه بوتين.

ما لم يذكره قديروف طبعاً أنه كان أحد هؤلاء «الشياطين الشيشان» المقاتلين ضد روسيا، فبصفته ابنا لمفتي جمهورية ايشكيريا الذي أعلن الجهاد ضد موسكو استلم قيادة الميليشيات المناوئة للكرملين في الحرب الشيشانية الروسية الأولى (وهناك شريط فيديو مزعوم يشارك فيه في حفل لقطع رؤوس جنود روس) إلى أن انقلب وأبوه ضد رفاقه وتحوّل، وعناصر ميليشياته، بين ليلة وضحاها، إلى أعضاء في الاستخبارات الروسية ببطاقات رسمية. استلم قديروف بعدها رئاسة مخابرات الشيشان إلى أن اغتال أحد الجهاديين والده عام 2004 فأصبح رئيساً خلفاً له.

لم تتأخر المؤسسة الروسية في الردّ فقرأنا قبل أيام تصريحا للأميرال فلاديمير كومويدوف، رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي، يقول إن من المرجح أن يسافر متطوعون روس للقتال في صف القوات الحكومية الروسية، وهو أمر لا يتناقض، في الحقيقة، مع تصريحات الكرملين أن «لا خطط حالية لديه لنشر قوات برية»، فالواضح أن الخطط الروسية «تتفاعل» بحيوية مع الرمال السورية ـ الإقليمية ـ الدولية المتحركة التي سجلت انكشافاً واضحاً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية (وأوروبا بالنتيجة) حول سوريا، أظهر أنها أقرب بكثير إلى الموقف الروسي منها إلى مواقف حلفائها التقليديين: تركيا والسعودية وقطر.

وإذا عطفنا «السيرة الذاتية» لانتقال قديروف من «جهادي» قاطع للرؤوس (وبالتالي إرهابيّ في الأدبيات السياسية الدولية) إلى «عضو مخابرات روسية»، ومبادرته ذات الدلالة حول حماس رجاله للتورط البرّي في الحرب السورية، وتقبل رئيس لجنة الدفاع البرلمانية الروسية لها، على آراء أخرى نشرت في وكالات الأنباء لخبراء روس «مقربين من الحكومة الروسية» حول بحث موسكو الحالي عن «جنرال من الجيش السوري» يتم تصعيده في الفترة المقبلة ليضمن مصالحها مستقبلا، فربما يكون البحث عن بديل للأسد يجري الآن.

بحسب نيكولاي سوركوف، الأستاذ المشارك بمعهد موسكو للعلاقات الدولية، إن المرشح لخلافة الأسد «جنرال سيذيع صيته خلال العمليات العسكرية في الفترة المقبلة»، فيما أقرّ دميتري أوفيتسيروف، المحاضر في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو بأن «روسيا تدرك أنه لا مكان لسوريا بشكلها القديم في المستقبل»، معتبراً وجود الأسد على طاولة المفاوضات سببه أنه «لا يوجد من هو على استعداد لتمثيل العلويين حالياً»، وأن التمسك بالأسد سيستمر حتى وجود «البديل الشرعيّ» له، وأن تنحي الرئيس السوري «هو مسألة وقت».

لكن الأمر لا يرتبط حقيقة بـ»شرعية» الرئيس السوري الذي أصبح يمثّل إشكالية سياسية وقانونية كبرى لبلاده والعالم بسبب مسؤوليته عن الدمار الشامل الذي سببه للشعب والوطن السوريين، كما أنه أصبح عبئاً سياسياً وأخلاقياً هائلاً ليس على النظام الذي يرأسه بل حتى على طائفته نفسها التي عانت الأمرّين منذ بدء النزاع، بل يرتبط بما سيتمخض من نتائج عن التدخل العسكري الروسي، وبمدى فاعلية المعارضة السورية المسلحة، والضغوط الدولية على موسكو. 

وبناء على المثال الشيشاني فالأغلب أن الإدارة الروسية (واستخباراتها بالتحديد) بدأت عملياً مسحاً للمعطيات الموجودة لها حول المرشحين للرئاسة، وباشرت قراءة «السير الذاتية» للمتقدمين، وربما إجراء المقابلات الضرورية اللازمة للتأكد من استيفائهم للشروط الروسية، ولابد لهؤلاء من قراءة بعض الأدبيات حول قديروف لمعرفة أسباب نجاحه.

في حفل عيد ميلاده الخامس والثلاثين الذي حضره بعض نجوم هوليوود الشهيرين كجان كلود فان دام وهيلاري سوانك وسيل وفينيسا ماي وغيرهم سئل قديروف من أين يأتي بكل هذا المال فقال: «من الله» ثم تابع: «لا أدري لا بد أنه جاء من مكان ما»!

وبحسب نموذج رمضان قديروف فالأفضل أن يكون المتقدم حسن الطلعة وسيء السلوك، ولا بأس في أن يكون لديه سجل حافل بانتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والأخلاقي.

المصدر : القدس العربي 

زر الذهاب إلى الأعلى