مقالات

أحمد جابر – في سورية نقاش… رغبات

في سياق العودة إلى مواد النقاش السوري وبنوده، يجب الانتباه إلى أن التسمر عند جملة أن النظام السوري هو المسؤول الأول عن الخراب الذي أصاب سورية، ما عاد موقفاً مفيداً. حتى الجملة الافتتاحية هذه تلزمها جملة استكمالية ليكون المعنى غير مجتزأ وغير استنسابي، أما الجملة فهي: وماذا عن مسؤوليات الآخرين التي تأتي كبند ثان بعد مسؤولية النظام؟

عدم التوقف طويلاً أمام ما كان في الماضي يطل على نقاش المواقف أيضاً، فهذه الأخيرة يجب أن تتحرك على وقع تغير المعطيات، وفي مواكبتها وعلى ضوء نتائجها. أي أن الموقف من النظام أو من القوى المتصارعة معه، يجب ألا يظل وفق ثنائية الـ «مع أو الضد»، من دون الاستفاضة في شرح وقائع الانحياز وأسبابه وآثاره، في الحاضر كما في المستقبل، القريب منه والأبعد مدى. أي أن المطلوب لا يقل عن رؤية سياسية مترابطة حول المستقبل السوري، رؤية تندمج فيها النظرة والحركة بكل أبعادهما الضرورية والمطلوبة.

اليوم، بات متعذراً على غير أصحاب المواقف المسبقة، الجهر السهل بالانحياز الى النظام أو بالدفاع عن القوى المعارضة. لم يعد النظام ذاك الذي ألفناه بالجملة، ولم تتبلور حالة الاعتراض لتبلغ في تبلورها درجة تمييزها كجسم متكامل. تختلف الأسباب بالتأكيد، فالنظام انفرط قوامه، والمعارضة لم يتسنَّ لها أن تكتسب تماماً معنى اسمها. عليه، ما بقي في الحوزة الواقعية الملموسة، النظام وقد صار لا نظاماً، والاعتراض الذي لم يتحوّل إلى معارضة. الحصيلة نفيان يتشكل منهما الوضع السوري الحالي، وما بين النفيين كتل جماهيرية مائجة، وعلى خطوط النفيين دخلت آليات «الشحن الخارجي» التي جاءت لسورية بكل شيء، ما عدا النجدة الحقيقية التي ربما كانت كفيلة بالتقليل من حجم الدمار الواسع الذي أصاب بنية كل السوريين.

هذه النتائج الواقعية لا يمكن إهمالها، أي لا يمكن التقدم نحو فهم الواقع السوري المستجد من دون التوقف ملياً أمامها، كذلك لا يمكن تحديد الأهداف الجديدة والاقتراحات البديلة من دون استيعاب مؤدى كل النتائج التي تمخض عنها الواقع في مختلف ميادينه. يقرب ما تقدم البحث من الدعوة إلى نقاش المصلحة السورية بعد كل ما جرى. المصلحة السورية التي تعني مصير الكيان السوري بما هو الجغرافيا المعروفة، ومصير الشعب السوري بما هو التشكيلة الاجتماعية وكل ما يتعلق بها، ما كان معروفاً منه وما كان مجهولاً أو مقصياً أو منفياً من دائرة البحث الوطني العام، أي كل الديماغوجيا القومية والدينية والاشتراكية المزعومة، التي استفاد منها النظام.

إذا كان الاهتمام منصباً على مسألة الكيانية السورية، لجهة عدم تشظّيها تشظياً لا يمكن لملمة نثاره، يصير المطلوب البحث في السياسات المتدخلة في الشؤون السورية، بحيث يتم التمييز بين سياسات مساعدة على الحد من الخسائر الوطنية السورية العامة، بعد كل ما أصاب الوطنية السورية من خسارات، وبين سياسات تدخلية تضيف مواد ملتهبة إلى الحريق السوري العام.

في ميزان الوطنية السورية، تبين مثاقيل الإنقاذ التي ادعى المبادرة إليها فريق غربي وفريق شرقي، مثلما تظهر أعباء الأحمال والأثقال التي ألقاها الفرقاء المتدخلون على مناكب الوطنية السورية. يحضر في هذا السياق حديث المصالح السابقة، التي لا تصير سابقة لأنها مصالح مستدامة، ويحضر حديث المصالح المستجدة وليس الجديدة، عندما صار المسرح السوري طاولة لاغتنام الفرص، ودليلاً مرشداً إلى توزيع المغانم.

تحت علم المصالح وعلى طرق تنفيذها، مارس الغرب بمجموعه سياسة مصالح اقتضت إدارة الخراب السوري، أي أنه لم يتدخل لتغليب المصلحة السورية العامة، من خلال منع اضطرام النار السورية، أو منع ألسنة اللهيب الأهلي من التمدد حتى صارت سورية إلى ما صارت إليه من زمان الخراب. لقد نسب كثر إلى الغربي همة تدخلية، وأناطوا به مهمة ديموقراطية، فانجلى الأمر عن حقيقة ادعاء حماية حريات، ووهم مسارعة إلى نجدة ديموقراطية.

الآن، تقدم الطرف الروسي ليلعب دوراً حامياً بعد أن اكتفى لفترة بالبقاء في منطقة التدخل البارد. الطرف الروسي لاعب إضافي وليس جديداً. كان على مقاعد الاحتياط فنزل إلى الملعب ليعزز الصفوف الهجومية، لأن الحارس الداعشي يجيد حراسة مرماه؟ ولأن النظام وحلفاؤه أخفقوا في استثمار مدة الوقت الضائع الذي منحهم إياه الحكم الدولي المنحاز. إذاً، سترتفع وتيرة المواجهة، ومجدداً سيتضاءل وزن الوطنية السورية، وستتناثر أكثر مصالح السوريين، وستزداد صعوبات الكيانية السورية على نحو عميق. ليس في اليد القدرة على الدعوة إلى إطلاق حركة تحرير وطنية سورية، تقاتل ضد دواعش الداخل وظلاميتهم، وضد نهابي الخارج وتوحّش وسائل نهبهم، وضد النظام الذي جعل سورية أرضاً خصبة لكل التدخلات الخارجية، وتركها «ورقة تبادل» في حسابات كل المتلاعبين.

المصدر : الحياة 

زر الذهاب إلى الأعلى