مقالات

عبد الله العلمي – الشطرنج السوري… كش أسد

تبدّلت قواعد لعبة الشطرنج بإضافة حجر جديد يطلق عليه لقب “الأسد”. الفارق هنا هو أن اللعبة تحتم تحريك حجر “الأسد” حسب المقاربة الخارجية والداخلية. خارجياً، الانتشار العسكري المكثف للقوى العظمى (الولايات المتحدة وروسيا)، أما داخلياً فالمطاردة مستمرة من قوى المعارضة السورية من جهة، وداعش من جهة أخرى.

هذه ليست شبه جزيرة القرم التي التهمتها روسيا، بل سوريا، وبالتالي قواعد اللعبة تتطلب أن يعمل الكل على دفع سلسلة من التصعيدات المتبادلة بين مختلف الأطراف إلى حالة معقدة من الحرب الإقليمية.

ماذا عن أطراف اللعبة؟

روسيا تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية؛ الهدف الأول، ترميم موقعها الإستراتيجي في المنطقة بدءاً بقواعدها العسكرية في طرطوس واللاذقية. الهدف الثاني، حرص موسكو على تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل، ولهذا السبب لم يأت لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين من فراغ. أما الهدف الثالث، فهو محاولة الكرملين اليائسة لتقديم نفسها كمخلّص نزيه وشريك جاد في مكافحة الإرهاب.

طهران منغمسة هي الأخرى في تمزيق أرض الشام؛ بداية عَبْرَ حسن نصر الله، مندوبها السامي في لبنان، ولاحقاً في تدخلها المباشر في سوريا بقيادة الحرس الثوري الإيراني.

تركيا أدلت بدلوها، فاقترحت إقامة منطقة عازلة على الحدود التركية بعرض 100 كلم وعمق 50 كلم. الرد جاء سريعاً؛ تزايد سلسلة التفجيرات في مدينة سوروتش، على الحدود مع سوريا مروراً بالتفجير في وسط العاصمة أنقرة بداية هذا الأسبوع، والذي نتج عنه مقتل 90 شخصاً وإصابة 246 آخرين.

أما ألمانيا، فقد أحاطت المستشارة أنغيلا ميركل -بكل دهاء- القوانين الجديدة للعبة الشطرنج بنوع من القبول الإيجابي مبطناً بمباركة صامتة ومرونة خجولة. لماذا؟ ميركل تعتبر روسيا وإيران من اللاعبين “الهامين” في المنطقة. حتى واشنطن ولندن رضيتا “بالمقسوم” واعتبرتا أن الدور العسكري الروسي في سوريا مرحّب به إذا أعطيت الأولوية لمكافحة “الإرهاب”، مع أن القصف الروسي طال مقاتلي الجيش الحر.

ماذا عن فصائل المعارضة؟

تأكيد رئيس الائتلاف السوري، خالد خوجة، أن “هدف روسيا هو تقوية الأسد، ليجلس بقوة على طاولة المفاوضات”، يدل على أن الأسد لم يعد مطالباً بالتنحي. الواقع أن رقعة الشطرنج متاحة الآن للأسد لإبقائه في السلطة لفترة أخرى “تحددها الوقائع على الأرض”.

الواقع أيضاً يؤكد أن بعد ترسيخ “الأسد” قطعة محورية في اللعبة، ازدادت وتيرة جرائم الحرب وبراميل الموت تزامناً مع التعذيب الممنهج للمعتقلين في سوريا والإعدامات العشوائية وتشريد نصف الشعب السوري في أرجاء المعمورة.

أما الأطراف الأخرى في اللعبة فهي الفصائل العسكرية الإسلامية التي نشأت إبان الثورة السورية، وتشمل حركة أحرار الشام وحركة الفجر الإسلامية وجماعة الطليعة الإسلامية وكتائب الإيمان المقاتلة. إضافة إلى ذلك، جاء مسلحون إسلاميون من العراق على صلة بالقاعدة، فشكلوا جوهر جبهة النصرة، التي بدأت تأخذ مواقعها القتالية على الأراضي السورية.

من كان يصدق أن حفنة من طلاب المدارس كتبوا شعارات مناهضة للنظام السوري على جدران درعا في مارس 2011 نتج عنها تدخل نصف قوى العالم العسكرية؟

عقب انفضاض الجلسة الافتتاحية لمؤتمر جنيف 2 حول سوريا، في مدينة مونترو السويسرية في يناير 2014، قال وزير الخارجية البريطانية آنذاك وليام هيغ “إن الآلاف من السوريين الأبرياء سيدفعون الثمن” في حال فشل المؤتمر.

للأسف يا سيد هيغ كنت مخطئاً، فقد توفي مئات الألوف من السوريين وتشرد الملايين بفضل تغيير قواعد اللعبة… عليكم أن تفهموا أن “الأسد” ليس من أركان المعادلة.

المصدر : العرب 

زر الذهاب إلى الأعلى