لم يخف النظام السوري دور سلاح الجو الروسي في تأمين الغطاء الجوي له، للمضي في عمليته العسكرية التي أطلقها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لإعادة السيطرة على ريف حماة الشمالي ومحافظة إدلب، وصولا إلى كفريا والفوعة.
وخلال أربعة أيام، استطاع النظام السيطرة على تلة الجب الأحمر في منطقة جبلية بين محافظتي حماة واللاذقية، وتطل على سهل الغاب الذي فشلت قوات النظام وحزب الله في إعادة السيطرة عليه في الأشهر القليلة الماضية، بسبب انكشافه أمام راجمات المعارضة المسلحة ومدافعها.
ثم سيطرت قوات النظام على قرية عطشان في ريف حماة الشمالي، تمهيداً للسيطرة على تل سكيك وكفرنبودة، قبل الانتقال إلى أولى معارك إدلب في خان شيخون، أحد معاقل جبهة النصرة في المحافظة. وترافق ذلك بهجوم شنته قوات النظام في ريف اللاذقية الشمالي، غرب محافظة إدلب، استعادت بموجبه بلدتي كفر عجوز وكفر دلبة (20 كلم من الحدود التركية).
ومع أن الفصائل المسلحة استطاعت توجيه ضربات موجعة لقوات النظام، إلا أن استمرار المعارك على هذا النحو سيمكّن الأخيرة من دخول محافظة إدلب، وتصبح خان شيخون في الجنوب وجسر الشغور في الغرب تحت نيرانه، مقدمة للوصول إلى مدينة إدلب، والإمساك بالأوتسترادات الرئيسية التي تربط إدلب باللاذقية وإدلب بحماة، للانتقال إلى المرحلة النهائية، والسيطرة على كامل المحافظة التي تشكل المعقل الرئيسي الوحيد للمعارضة المسلحة. وفي حال تم ذلك، سيتراجع “جيش الفتح” في إدلب إلى تخوم حلب، في وقت خفف التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، غاراته على حلب في الأيام الماضية، ما سمح لتنظيم داعش بالاقتراب من المدينة، ما يضع “جيش الفتح” في مواجهة مع “داعش”، ومع قوات النظام في محافظة حلب التي ترغب واشنطن في بقائها منطقة حرب مفتوحة لكل الفرقاء.
تبدو صورة المشهد الميداني غير واضحة. هل جاء الغطاء الجوي الروسي لعملية النظام العسكرية ضمن تفاهم مع الولايات المتحدة، بعدما فشلت الأخيرة في إقناع الرياض والدوحة وأنقرة في تخفيف اندفاعتهم العسكرية ضد النظام، أم أنه خروج على هذا التفاهم؟ من الصعب الإجابة قبل معرفة حقيقة برنامج التسليح الأميركي الذي أعلنت عنه البنتاغون.
وللولايات المتحدة أجندة تتمحور في محاربة “داعش” وعدم إسقاط النظام في هذه المرحلة. ولذلك، ليس لديها مانع من تحقيق روسيا بعض الأهداف المشتركة، مثل محاربة تنظيم الدولة وجبهة النصرة وغيرها من الفصائل الإسلامية التي تحارب النظام.
ويبدو من واقع الهجمات العسكرية للروس والتحالف الدولي، على السواء، أن ثمة مقايضة بين الجانبين، حيث تركز الحملة العسكرية الروسية على غرب سورية، أما حملات التحالف الدولي فتركز، أخيراً، على الرقة. وليس مصادفة أن تعلن قيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) أن الولايات المتحدة ألقت جواً أسلحة في شمال سورية لمقاتلين من المعارضة، يتصدّون لتنظيم الدولة الإسلامية، بالتزامن مع إعلان وحدات حماية الشعب الكردية ومجموعة من الفصائل المسلحة توحدها في تشكيل عسكري، أطلق عليه اسم “قوات سورية الديمقراطية”، يضم (التحالف العربي السوري، جيش الثوار، غرفة عمليات بركان الفرات، قوات الصناديد، تجمع ألوية الجزيرة، المجلس العسكري السرياني، وحدات حماية المرأة).
وهدف واشنطن استعادة الرقة من التنظيم، ولكن من دون تسليمها للأكراد وحدهم، خشية من غضب تركيا، وجاء التشكيل العسكري الجديد “قوات سورية الديمقراطية” لتحقيق الأهداف الأميركية، وأهمها:
تحقيق حالة من التوازن بين الأكراد والأتراك، فوجود وحدات الحماية الشعبية الكردية ضمن التشكيل الجديد يمنح الأكراد ثقة قد تجعلهم يميزون أنفسهم عن قوات الحكومة السورية، كما أن وجود قوات وعشائر عربية في التشكيل العسكري يطمئن أنقرة من أن منطقة شمال سورية لن تكون ذات سيطرة كردية خالصة.
إلغاء فكرة الاعتماد على فصائل إسلامية، حاولت أطراف إقليمية دعمها وتسويقها على أنها معتدلة، مثل حركة أحرار الشام التي ما تزال واشنطن تنظر إليها بريبة، بسبب علاقتها مع جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سورية.
إلغاء فكرة إقامة منطقة آمنة تحت غطاء تركي، وتحويلها إلى منطقة آمنة تحت غطاء سوري، تشارك فيه المكونات الإثنية في الشمال، عدوها الأول تنظيم الدولة.
أما بشأن الفصائل المقاتلة في إدلب ومحيطها، مثل “جيش الفتح”، فلم تصدر أية إشارات أميركية حول دعمها بالسلاح، في حين جاءت إشارات من السعودية تؤكد أن التدخل العسكري الروسي سيُرد عليه بتزويد المعارضة المسلحة المدعومة من أطراف إقليمية بالسلاح اللازم، للحيلولة دون تحقيق النظام نصراً عسكرياً بغطاء روسي.
ويبدو واضحاً من ذلك أن منطقة إدلب ومحيطها ستُترك للدول الإقليمية لمواجهة النظام وداعميه، خصوصاً الروس، ولا مانع لدى واشنطن من تزويد الفصائل المسلحة هناك بأسلحة أميركية موجودة أصلا لدى هذه الدول الإقليمية (صواريخ أرض جو، صواريخ مضادة للدبابات)، شرط أن لا تصل نوعية السلاح المقدم إلى الحد الذي قد يهدد الوجود الروسي.
المصدر : العربي الجديد