اتخذت روسيا موقفا واضحا ومحددا من الأزمة السورية منذ انطلاقها، تلخص في دعم النظام السوري، وتمثل ذلك بتأمين الغطاء والحماية السياسية على المستوى الدولي، وتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية له.
وتصاعدت وتيرة المساعدات العسكرية المقدمة، حيث اشتملت على أسلحة ومعدات وذخائر نوعية، كما بدأت روسيا في حشد قواتها في منطقة الساحل السوري، وتحديدا في قاعدة طرطوس البحرية وفي مطار حميميم وفي مدينة حماة.
صباح يوم الثلاثين من سبتمبر/أيلول الفائت بدأت روسيا حملتها الجوية تحت عنوان محاربة تنظيم الدولة، ولكن التقارير الاستخباراتية العالمية والتقارير الخارجة من الميدان أثبتت عدم صدقية التقارير الروسية، حيث ثبت أن 95% من الغارات الروسية استهدفت مواقع المعارضة السورية المعتدلة والمعارضة الإسلامية، وأن المناطق التي تم استهدافها تقع خارج سيطرة تنظيم الدولة منذ أكثر من عام ونصف العام، وقد أدت تلك الغارات إلى تدمير كبير في البنية التحتية، كما أدت إلى وقوع العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، بينهم نساء وأطفال.
ومن أجل إيهام العالم بأنها تحارب الإرهاب قامت روسيا بتنفيذ ست غارات جوية على مواقع لتنظيم الدولة في مدينة القريتين ومدينة الرقة.
كما صعدت القوات الروسية هجماتها صباح الأربعاء الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتمثل ذلك في تقديم الإسناد الجوي القريب للقوات السورية التي شنت هجوما واسع النطاق على أربعة محاور في ريف حماة الشرقي والشمالي والغربي، وهجوما آخر في سهل الغاب، وجاء ذلك ترجمة عملية لتصريح الرئيس بوتين (إنه ستتم المزامنة بين عمليات الجيش الروسي وتلك التي ينفذهاالجيش السوري على الأرض).
أما التصعيد الآخر فتمثل في قيام أربع سفن حربية روسية ترسو في بحر قزوين (على بعد 1500كيلومتر) بإطلاق 26 صاروخا من نوع كروز الروسي على 11 هدفا تمثل مواقع لتنظيم الدولة وجبهة النصرة تقع في محافظات الرقة وإدلب وحلب، جاء ذلك على لسان وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو عندما أبلغ الرئيس بوتين بذلك، مدعيا أنها أصابت أهدافها بدقة، في حين لم تأت التقارير القادمة من الداخل السوري على ذكر ذلك باستثناء موقع أعماق التابع لتنظيم الدولة الذي أشار إلى سقوط صاروخ في مدينة الطبقة محدثا دمارا كبيرا.
بينما ذكرت وكالة “سانا” -نقلا عن مصدر عسكري سوري- أن صواريخ كروز الروسية دمرت مواقع ومراكز قيادة ومستودعات أسلحة للإرهابيين.
الحملة العسكرية الروسية تعمل على مسارين متوازيين، هما:
– المسار العسكري المتمثل في الضربات الجوية على مواقع المعارضة المعتدلة والإسلامية، وتقديم الإسناد الجوي القريب للقوات السورية العاملة على الأرض.
– المسار الإعلامي، حيث حشد النظام الروسي وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب لتسويق غزو سوريا تحت عنوان الحرب على الإرهاب وحماية الأمن القومي الروسي من خطر عودة ما يقرب من 2400 مقاتل روسي مسلم حال انتصار الثورة السورية إلى روسيا، أي تطبيق مبدأ الضربة الاستباقية.
وقد وصلت درجة المبالغة الإعلامية أن أدرج خبر الحرب على تنظيم الدولة في النشرات الجوية التي أفادت بأن الطقس في سوريا يساعد على شن ضربات جوية ناجحة، كل ذلك من أجل حشد الرأي العام الروسي لدعم خطة الرئيس بوتين في الحرب على الإرهاب.
عدم تكرار القصف الصاروخي حتى الآن يشير إلى أن تلك المحاولة تأتي ضمن إطار استعراض القوة الروسية وبيان قدراتها القتالية الكبيرة أكثر منه استخداما عسكريا يسعى لتحقيق أهداف ميدانية وعملياتية، كما أنه يندرج تحت محاولة إقناع الشعب الروسي أولا بأن روسيا لا تزال قوة عالمية عظمى قادرة على منافسة الولايات المتحدة الأميركية، وليس كما يدعي البعض أن روسيا ليست سوى مجرد قوة إقليمية عظمى.
كما تهدف في رسالتها الثانية -وهي موجهة إلى المعارضة السورية وتنظيم الدولة- إلى أن روسيا جادة في حربها، وستحقق أهدافها بكافة الوسائل المتاحة لديها، والتي لا يستطيع الطرف الآخر مواجهتها.
من الضروري الإشارة إلى أن القدرات الروسية في مجال صواريخ كروز محدودة، وذلك استنادا إلى تصريح ألكسندر سوخورو موكوف نائب وزير الدفاع الروسي عام 2012، وملخصه أنه من المتوقع أن تصبح صواريخ كروز الإستراتيجية الجديدة من عتاد القوات الجوية الروسية، وقد أجريت عليها تجربتان ناجحتان.
في حين تحد معاهدة التخلص من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى التي أبرمت عام 1989 من إمكانية امتلاك روسيا صواريخ كروز تطلق من البر.
المصدر : الجزيرة نت