مقالات

أحمد عمر – أحلى كفار في العالم

أجرينا مقارنة في المقال السابق بين بطولة تريستان الذي وقع على إيزولد ولانسلوت الذي خطف زوجة الملك آرثر… وبين بطولة حامي الظعائن ربيعة بن مكدم الجاهلي، وفي هذا المقال سأستعرض بعض فروسيات كفار قريش الذين وقفوا في وجه الإسلام، لأصل إلى خلاصة أدّخرها لنهاية المقال.. فشدو الحزام.

روى البخاري ومسلم قصة أبي سفيان عند هرقل وفيها أن هرقل جاءته رسالة النبي عليه الصلاة والسلام فأراد أناسا من قوم النبي عليه الصلاة والسلام؛ ليسأل عن حاله، فعُثِر على أبي سفيان وكان مشركا مع بعضٍ من كفار قريش؛ وقد كانوا تُجَّارا بالشام، فأُتِي بهم إلى هرقل.

فقال هرقل: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً. (يشترك معه في الأب الرابع).

فقال: أدنوه مني، وقرِّبوا أصحابَه فأجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائلٌ هذا عن هذا الرجل، فإن كَذَبني فكذِّبوه… سأسأل صاحبكم الذي يجلس أمامكم- وهو أبو سفيان- عن صاحبكم، الذي هو النبي عليه الصلاة والسلام، فإن كَذَب في الإجابة فبيِّنوا لي أنه قد كَذَب.

يقول أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثِروا عليَّ كذباً لكذبت عنه. الرواية رائعة وتبين ذكاء هرقل وحصافة أبو سفيان في عصر لم تكن فيه كاميرا، ولو كانت لقال عنها الإعلام السوري رواية مفبركة في قطر!

ومن الأخبار: أنّ عقبة بن أبي معيط كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا أهل مكة كلهم، مثله مثل رامي مخلوف تماما في دمشق، فصنع طعاما ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.

فقال: اطعم يا “ابن أخي”. والقوسان من الكاتب للإشارة إلى رقة الخطاب “الكافر”. فقال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول.

وقدم خليله (أبيّ بن خلف) من الشام ليلا فقال لامرأته ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد ما كان أمرا.

فقال: ما فعل خليلي أبو معيط ؟ فقالت: صبأ.

فبات بليلة سوء فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه فلم يرد عليه التحية فقال: ما لك لا ترد علي تحيتي.
فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبأت.

قال: أوقد فعلتها قريش( علمت بالخبر)؟ لا والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل من طعامي إلا أن أشهد له. فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم.

 وللقصة تتمة غلب فيها الكفر على الشكر.

ومن البطولات: أنّ الأسود بن عبد الأسد المخزومي – وكان رجلاً شرساً سيئ الخلق – خرج قائلاً: أعاهد اللَّه لأشربن من حوضهم- يقصد حوض بدر- أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، فلما التقيا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن “تبرّ” يمينه”،  وربما مدفوعا بلوعة العطش، ولكن حمزة ثنّى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض. والراوي، وهو هنا ابن كثير، هو الذي ذكر حرص المذكور على اليمين والإبرار به.

ومن الأخبار: ولما انتهت المعركة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال: هل أخزاك اللَّه يا عدو اللَّه؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أأعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل قتلتموه؟  وهي جملة تعبر عن الشجاعة أمام الموت، ولكنه يعبر عن عرقية عنصرية  منكرة  إذ قال: فلو غير أكار قتلني. فقد كان عبد الله بن مسعود،  صغير البنية، قصيرا دقيق الساقين، يعمل في المهن الصغيرة تلك التي كانت مرذولة في قريش. ثم قال لعبد الله بن مسعود يسأله عن نتيجة المعركة: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: للَّه ورسوله. والجواب يعبر عن فروسية راقية  لمسلم أدبه الإسلام بأحسن الأدب فهو لا يريد أن يشتفي من عدوه الذي سامه أنواعا من العذاب، كأن يقول: الدائرة  لنا. ثم قال أبو جهل  لابن مسعود – وكان قد وضع رجله على عنقه – لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم. فهو لا ينسى كبره حتى في لحظة الموت، ثم يحاول ابن مسعود أن يحزَ رأسه فينصحه أبو جهل أن يحز رأسه بسيفه القاطع ! 

ومن الأخبار: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ إنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أَخْرَجُوا كُرْهًا، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ. فَلَقِيَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ الْمُجَذّرُ لِأَبِي الْبَخْتَرِيّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ قَتْلِك – وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيّ زَمِيلٌ لَهُ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكّةَ، وَهُوَ جُنَادَةُ بْنُ مُلَيْحَةَ بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، وَجُنَادَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ. وَاسْمُ أَبِي الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ – قَالَ وَزَمِيلِي ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذّرُ لَا وَاَللّهِ مَا نَحْنُ بِتَارِكِي زَمِيلِك، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِك وَحْدَك، فَقَالَ لَا وَاَللّهِ إذَنْ لَأَمُوتَن أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا، لَا تَتَحَدّثُ عَنّي نِسَاءُ مَكّةَ أَنّي تَرَكْت زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ. فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ حِينَ نَازَلَهُ الْمُجَذّرُ وَأَبَى إلّا الْقِتَالَ يَرْتَجِزُ:

لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرّةَ زَمِيلَهُ… حَتّى يَمُوتَ أَوْ يَرَى سَبِيلَهُ.

ويعود النبي  من يوم العقبة إلى مكة طالبا جوار المطعم بن عدي ليطوف بالبيت الحرام وهو من الملأ القرشي وأشرافهم وحكمائهم. فخرج المطعم بن عدي وقد لبس سلاحه هو وبنوه ستة أو سبعة.
فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: طف.
واحتبوا بحمائل سيوفهم بالمطاف.

ولأجل هذه السابقة التي سبقت للمطعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى – يعنى أسارى بدر- لأطلقتهم له.

 كان في مكة رجال، يعادل الواحد منهم دولة في الأمم المتحدة، و يمنح “اللجوء السياسي”.

 ومن الأخبار : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أن ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ  أَتَى الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا وَكَانَ الزّبَيْرُ قَدْ مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ . ذَكَرَ لِي بَعْضُ وَلَدِ الزّبَيْرِ أَنّهُ كَانَ مَنّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ أَخَذَهُ فَجَزّ نَاصِيَتَهُ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ – فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَك ؛ قَالَ إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِيَدِك عِنْدِي ؛ قَالَ إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ. ثُمّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَتْ لِلزّبَيْرِ عَلَيّ مِنّةٌ وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا، فَهَبْ لِي دَمَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: هُوَ لَك ؛ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ وَهَبَ لِي دَمَك، فَهُوَ لَك، قَالَ ( عن نفسه) شَيْخُ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ ؟ قَالَ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ هَبْ لِي امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ قَالَ: هُمْ لَك. قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلَك وَوَلَدَك، فَهُمْ لَك؛ قَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَالَهُ قَالَ: هُوَ لَك. فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَالَك ، فَهُوَ لَك  قَالَ: أَيْ ثَابِتٌ مَا فَعَلَ الّذِي كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيّ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَال:َ قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ مُقَدّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا، وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا، عَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِيّ عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ قَالَ: قُتِلُوا؟ قَالَ: فَأَنّي أَسْأَلُك يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَك إلّا أَلْحَقْتنِي بِالْقَوْمِ فَوَاَللّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ فَمَا أَنَا بِصَابِرِ لِلّهِ فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ. فَقَدّمَهُ ثَابِتٌ فَضُرِبَ عُنُقُهُ!

ومن الأخبار:  عَنْ عَائِشَة َأُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا قَالَتْ لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ( بني قريظة) إلّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ . قَالَتْ وَاَللّهِ إنّهَا لِعِنْدِي تَحَدّتُ مَعِي، وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهَا فِي السّوقِ إذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا : أَيْنَ فُلَانَةُ ؟ قَالَتْ أَنَا وَاَللّهِ قَالَتْ قُلْت لَهَا : وَيْلَك ؛ مَا لَك ؟ قَالَتْ أُقْتَلُ. قُلْت : وَلِمَ ؟ قَالَتْ لِحَدَثِ أَحْدَثْته ؛( أي لجريمة ارتكبتها) قَالَتْ فَانْطَلَقَ بِهَا ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا ؛ فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ فَوَاَللّهِ مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا، طِيبَ نَفْسِهَا، وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا تُقْتَلُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ الّتِي طَرَحَتْ الرّحَا عَلَى خَلّادِ بْنِ سُوَيْدٍ ، فَقَتَلَتْهُ 

لقد أقرت المرأة بجريمتها وأسلمت نفسها للقصاص، وفي كل مثال من الأمثلة السابقة إشارات قوية إلى رحمة المسلمين و عدلهم وبرّهم بأهل الكتاب، فالكتابية اليهودية بالرغم من سيلان الدم في الخنادق والحربين بين المسلمين واليهود كانت ضيفة عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

والآن لمَ تذكرت أحلى كفار في العالم، وبطولاتهم التي  نشهد مثلها في أفلام الغرب والويسترن:  السبب هو أنّ الشيء بالشيء يذكّر،  فثمة رئيسان عربيان أحدهم يزعم أنه رسول وقد أغرق غزة بالماء المالح وشعبه بالرز المتلتل! والرئيس الثاني معبود تسجد له الناس ويغرق شعبه ببراميل النار وقنابل الكيمياء وبسفلة الأرض.

المصدر : عربي 21 

زر الذهاب إلى الأعلى