صنع السوريون لأنفسهم في السنوات الأربع الماضية من عمر الثورة صورة بطولية في الشجاعة، في مقاومتهم الظلم والغطرسة والاستبداد، ومن أجل استعادة حريتهم وسيادتهم على وطنهم، بعد أن انتزعتهما منهم طغمة مغامرة، حولت سورية إلى مزرعة مستباحة لعائلة الأسد وأقاربه وأتباعه ورجال خدمته المطيعين.
ولا أعتقد أن شعباً تعرض للمذابح، وحورب بجميع أنواع الأسلحة الفتاكة، بما فيها الكيميائية، وبقي يقاتل وحيداً على الرغم من إجماع دول العالم على عدالة قضيته، واضطر إلى أن يقاتل بلحمه الحي، كما فعل الشعب السوري.
أثبت السوريون أنهم، على الرغم من المظاهر المسالمة لثقافتهم ومدنيتهم، شعب أكثر شراسةً وجلداً ومراساً في القتال مما كانوا هم أنفسهم يتصورون. لكنهم، بمقدار ما أبدوه من الشجاعة والإنجاز في ميدان القتال، ظهروا، في المقابل، شديدي الضعف سياسياً، أو فاقدين الحد الأدنى من الخبرة في هذا الميدان. وربما قدم رئيسهم الشقي الذي اعتبر حرق الدولة والبلاد ثمناً معقولاً لقاء رحيله من الحكم مثالاً لا يجارى على ذلك. ونظرة سريعة إلى حصيلة كفاحهم السياسي، للسنوات الأربع الماضية، تظهر، بوضوح، أنهم، بمقدار ما حققوا من نتائج على الأرض، تراجعوا تراجعاً كبيراً في السياسة. فقد قهروا، بقوتهم الذاتية وصبرهم وعنادهم وتضحياتهم الغزيرة، نظاماً من أعتى النظم وأكثرها وحشية وانعداما للشعور بالمسؤولية، واستعداداً للقتل والإجرام من دون حساب، ودمروا قاعدة حكمه العسكرية والأمنية، حتى لم يجد أمامه حلاً سوى الاستنجاد بالأجنبي.
بدأ الأمر بميليشيا حزب الله الذي تحدى النظام نفسه، وأظهر احتقاره له، عندما أعلن أنه دخل لإنقاذ نظام بلغ تعداد جيشه وميليشياته قبل دخوله أكثر من 700 ألف مقاتل بين قوات نظامية وأمنية وشرطة وشبيحة من مختلف الأنواع. لكن، سرعان ما اكتشف حزب الله صاحب “الانتصارات الإلهية” عجزه، فاستنجد بالميليشيات العراقية، المشحونة حتى الانفجار، بالأحقاد الطائفية وإرادة القتل والتمثيل بالسوريين المدنيين الذين قيل لهم إنهم أعداء الدولة والدين وعملاء إسرائيل. ولم يلبث الحرس الثوري الايراني نفسه حتى وجد نفسه مضطراً للتدخل، حتى لا ينهار وضع النظام الذي صار حبيس منطقةٍ لا تتجاوز مساحتها 16% من مساحة الجمهورية. ومع ذلك، لم يوقف انهيار النظام القاتل الذي تفكك وفقد توازنه إلا التدخل الروسي الذي يكاد أن يكون قد كلف بوضع حد للمأساة من جميع الأطراف.
لكن، بموازاة هذه الإنجازات المذهلة على الصعيد العسكري، لم يكف الموقف السياسي للمعارضة وقوى الثورة عن التراجع منذ ثلاث سنوات، وبوتيرة متسارعة، فبعد أن كانت أغلبية الدول تعلن تأييدها الشعب السوري، في كفاحه من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية، حتى بلغ عدد الدول التي صوتت 140 دولة على قرار الجمعية العامة عام 2012، تحركها نواة قوية من تجمع أصدقاء سورية، وبعد أن نجحت المعارضة في عزل النظام تماماً، ومقاطعته وفرض العقوبات عليه، ودفعت بعدة قرارات إلى مجلس الأمن، تدين سياساته الإجرامية، وتوصلت، على الرغم من الفيتو الروسي الجاهز، إلى بيان جنيف الأول الذي يعترف بأنه لا مخرج من دون الانتقال إلى نظام جديد، وبعد أن صار التأكيد على تنحي الأسد شرطاً لأي تسوية سياسية، وحصد المجلس الوطني السوري اعتراف أكثر الدول في المنظمة الأممية، وهو ما ورثه في ما بعد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ممثلاً للشعب السوري، وتم طرد النظام من جامعة الدول العربية، ها نحن نشهد اليوم تراجعاً عالمياً متزايداً عن دعم المعارضة والائتلاف، وعودة بعض العلاقات الدبلوماسية الخفية مع النظام، بعد إعلان الحداد على تجمع أصدقاء سورية، وتحوير قضية السوريين من قضية تحررية إلى حرب أهلية وطائفية، وتخاذل دول عديدة أعلنت دعمها القوي حقوق السوريين، وارتداد عديد منهم، مع الوقت، عن مواقفهم السابقة، حتى وصلنا، اليوم، إلى وضع أصبح حلفاء الثورة أنفسهم يدعون فيه إلى تسوية سياسية بشروط دنيا، ويعلنون استعدادهم لقبول بقاء الأسد فترة مؤقتة ضماناً للتوافق الدولي، ويفكرون في تسوية لا تشترط الخروج المسبق لمن اتهمته المنظمات الإنسانية بقيادة حرب إبادة جماعية. لم تكن مواقع المعارضة مهددة، على الصعيدين الداخلي الوطني والدولي، كما هي اليوم. وبينما يستعيد الأسد مواقع سياسية كثيرة فقدها، تخسر المعارضة دعماً سياسياً ودبلوماسياً، كنّا نعتقد أنه أصبح ثابتا، ليس في الغرب فحسب، ولكن، لدى بعض حلفائنا العرب أيضا.
الشجاعة ليست بديلاً عن السياسة
السبب الرئيسي لهذا التراجع السياسي الذي شهدناه، والذي يتعارض تماما مع التقدم العسكري الذي أنجزته تضحيات المقاتلين غير المحدودة على الأرض، هو ضعف منظومة عملنا السياسية، إن لم نقل تهافتها في جميع مستوياتها التنظيمية والتواصلية والإعلامية. والتجسيد الأبرز لهذا التهافت هو عدم القدرة على تثمير التضحيات الهائلة، وترجمتها في مكاسب سياسية، وهدر حيوات مقدسة من دون نتائج تذكر، بينما كان مؤكداً أن تؤدي مثل هذه التضحيات، لو رافقتها سياسة فاعلة، إلى وضع حد لنظام الأسد، على الأقل منذ ثلاث سنوات.
أما سبب تهافت سياساتنا في الثورة والمعارضة، فهو قصورنا السياسي، وتقديرنا السلبي لمفهومها، وتصورنا أننا، بقوة عزيمتنا وشجاعة رجالنا واستعدادهم للشهادة من دون ثمن، سوف نحطم كل الحواجز التي صنعها النظام، ونقضي عليها، عاجلاً أو آجلاً. وهذا ما حصل. لكن، ما واجهنا هو أنه بعد تحطيم النظام لم نعرف كيف نحل محله، ونقيم نظاماً جديداً، ولم نقنع الدول بنا بديلاً له. والسبب هو بالضبط افتقارنا لمفهوم السياسة وغياب منظومة العمل السياسي الفاعلة. هكذا، وجدنا أنفسنا أمام جدار لا يخرق، هو رفض المنظومة الدولية التي لا يمكن لسلطةٍ أن تقوم وتستقر من دون اعترافها وإدماجها فيها، ورفض عالمي معلن لاستلام المقاتلين السلطة، بل للسماح لهم بإسقاط ما تبقى من النظام أو بوراثته. ونحن نراوح في مكاننا منذ سنتين الآن، وندور حول مشروع توليد قيصري لتسوية سياسيةٍ فرضت علينا، تقوم على الجمع بين الجلاد والضحية، بين نظام فاقد أي شرعية، بعد إبادته شعبه وإحراقه بلده، ومعارضة تتمتع بالشرعية الدولية، لكنها غير قادرة على استلام السلطة، وكسب ثقة المنظومة الدولية شريكاً جديداً فيها. وهذا ما ساهمت فيه، أيضاً، سيطرة بسطاء شيوخ الدين الذين لا معرفة لهم بخبايا السياسة، على التوجيه والتنظيم. باختصار، استهنا بفعل السياسة، وبالغنا في إيماننا بمفعول البطولة الجسدية، ونسينا قول الشاعر: الرأي قبل شجاعة الشجعان. والرأي هو عين السياسة. وهذا ما حصل لإخوتنا الفلسطينيين قبلنا في المرحلة الأولى من المقاومة الفتحاوية أيضا.
لن نستطيع أن نقطف ثمار تضحياتنا العظيمة كشعب بالشجاعة والتضحية وحدهما من دون سياسة. وتتطلب السياسة التصور الواضح للشروط السياسية للمعركة التي نخوضها، وليس للشروط العسكرية فحسب. وتحديد أهدافنا النهائية وأهدافنا المرحلية بدقة، وتنظيم تحالفاتنا الدولية ومعرفة درجة رهاننا على كل منها، وتنسيق جميع مواردنا الداخلية والخارجية، لتحقيق أهدافنا، وذلك كله يستدعي، قبل أي شيء آخر، احتفاظنا بسيطرتنا على قرارنا الوطني الذي من دونه لن نستطيع أن نبلور خطة عمل، ولا أن نتابع تنفيذها ونراكم مكتسباتنا في الميادين الداخلية والخارجية، ونبني صدقيتنا لبنة لبنة، ونكتسب ثقة السوريين والدول الأخرى وعمق علاقتنا بها، حتى نستطيع، عندما يتهاوى النظام، أن نستفيد من الشرعية التي اكتسبناها بتضحياتنا، لانتزاع تأييد المجتمع الدولي لحقنا في إعادة بناء الدولة التي تنسجم مع القيم والمبادئ التي خرج من أجلها السوريون، وضحوا بأبنائهم وبناتهم من دون حساب، دفاعاً عنها. ومن الواضح أن مشكلتنا لا تنبع، الآن، من عدم اعتراف المجتمع الدولي بشرعية مطالبنا، وإنما من عدم ثقته بقدرتنا على إدارة الدولة وتسييرها، حسب القيم والمعايير المعروفة، وشكّه في أن يؤدي تسليمه لنا بانهيار النظام إلى حالة من الفوضى والاقتتال بين القوى المعارضة نفسها، أو إلى سيطرة قوى ذات رؤى ومسالك متطرفة، تتعارض مع مفهوم الدولة والسياسة والقيم التي تجسدها في العصر الراهن لصالح مشاريع تعيد المنطقة إلى تقاليد القرون الوسطى ومنطقها.
لا سياسة وطنية من دون قيادة موحدة
أصل أزمة المعارضة هو قصورنا السياسي، وجوهر هذا القصور وصلبه كامن في غياب القيادة السياسية الوطنية، وانعدام مفهومها. فلا سياسة وطنية تعنى بمصير البلاد، لا بجانب منها، من دون قيادة مركزية تعد الخطط، وتتابع تنفيذها، وتقبل المحاسبة والمراجعة للخطط والتوجهات الخاطئة، وتحدد الخيارات، وتتخذ القرارات، وتكون مسؤولة عن تنفيذها، وتقبل المحاسبة عن أعمالها. وقد ساهمت في الإجهاز على مفهوم القيادة السياسية في بلادنا، من جهة أولى، أنظمة الانقلابات العسكرية والمخابراتية التي جعلت من الرئيس زعيماً ملهماً يعمل خارج مفهوم الالتزام والمسؤولية، ويشكل صنماً معبوداً يغطي على أخطاء نظامه كله، ويمنع المحاسبة عنها، بل يقضي على مفهومها نفسه.
ورسخها، من جهة ثانية، تنطع وجاهات وشخصيات دينية عديدة للقيادة السياسية، من دون إلمام بقضاياها ومنطق عملها وأساليبها، وخلط بعض التشكيلات السياسية المتدينة بين مفهوم القيادة السياسية التي لا معنى لها، من دون المسؤولية والتفكير المنطقي والعقلاني، والإمارة الدينية، وتحويلها القائد إلى أمير، مطلق الصلاحية، يقود جماعته على هواه، أو ما يعتقد أنه يتماشى مع أحكام الدين وأوامره. وفي كل الحالات، لا ينظر للقيادة وظيفة تفترض خبراتٍ، وتنفيذ مهام وتنسيق قوى وعلاقات يشغل عليها، وتحتاج إلى مساعدة فريق من العاملين، وإنما مواهب فطرية، لا تحتمل التفكير ولا النقاش، وظيفتها استتباع الأفراد والتفنن في تطوير آليات صنع الأتباع وتطويعهم بكل الوسائل، العنفية والسحرية، للحصول على خضوعهم وتسليمهم الأعمى للقائد، القيصر أو الأمير، لا بلورة تصورات وتحديد أهداف ووضع الاستراتيجيات المعقولة، وإيجاد السبل لتحقيقها، وتوجيه الأفراد وتنظم عملهم وتعبئة مواردهم.
لكن مشكلة القيادة عندنا لا تقتصر على غياب معنى القيادة السياسية، والانحطاط بمفهومها إلى مستوى الوجاهة التشريفية، أو الزعامة الاستتباعية، إنما تتجسد، أكثر من ذلك، في غياب القيادة الوطنية، أي التي توجه وتخطط وتنظم وتنسق الموارد والعلاقات، لتحقيق أهداف وطنية تتعلق بمصير الدولة، ومستقبل المجتمع بأكمله. ولا شك في أن الثورة أنجبت قيادات فصائلية، ومحلية، من نموذج العمدة أو المختار أو الزعيم الذي يجمع حوله بعض الموالين، أو نموذح أمراء الحرب. لكن، ما تفتقر إليه حتى الآن هو قيادة تفكر من منظور وطني، وتضع في اعتبارها مصالح سورية الدولة والمجتمع بأكملهما، وتعمل على توحيد عمل القوى المعارضة، وتنظيم استخدامها حسب خطة واضحة ومتكاملة، وتملك الحد الأدنى من الخبرة والكفاءة والتمثيل والصدقية. ولا يمكن لمثل هذه القيادة أن توجد وتحظى بالنفوذ والمصداقية، ما لم تكن قيادة موحدة، أو على الأقل لها نفوذ على القسم الأهم من القوى الفاعلية على ساحة الصراع، العسكري والاجتماعي.
وجود قيادات متعددة يعني، بالضرورة، رؤى متباينة ومتضاربة وأجندات خاصة متنافسة، تعكس مصالح متباينة، وصراع القيادات، كل على حدة، على وجودها ونفوذها، حتى لو تبنت خطاباً وطنياً كاذباً. وهذا ما نحن فيه بالضبط: قيادات كثيرة ومتناحرة تعني، ببساطة، غياب القيادة المركزية التي تعبر عن إرادة وطنية جامعة، وتحظى بثقة وتأييد أغلبية شعبية.
إذا كانت تضحيات السوريين غير المحدودة، وصبر الشعب الذي تحمل أقسى الظروف، واضطر نصفه تقريبا إلى التشرد واللجوء، قد منعت النظام وحلفاءه في الحقبة الماضية من تحقيق أي مكاسب عسكرية، فإن التدخل الروسي الراهن يشكل منعطفاً خطيراً، ومصدر تحديات مصيرية، لن يكون من السهل الرد عليها من دون رأب هذا الصدع، والخروج من حالة الفوضى والتشتت وغياب القيادة السياسة، أي غياب التوجيه الوطني الشامل والتنظيم العقلاني للموارد العسكرية والبشرية. ولا يكمن هذا التحدي في طابعه العسكرية فحسب، فلن يستطيع الروس، مهما فعلوا، أن يقضوا على قوى المعارضة، وإنما بشكل أكبر في طابعه السياسي.
فبعد نجاحهم في حماية النظام وتثبيت دفاعاته، وتشتيت جزء من قوانا المقاتلة، لن يضيعوا وقتاً طويلاً في انتزاع المبادرة السياسية لدفع الأطراف إلى تسوية سياسية، يكونوا هم أنفسهم العراب الرئيسي، إن لم يكن الوحيد لها، وقد بدأت المفاوضات، بالفعل، من وراء الكواليس، وهي تشمل الأطراف الإقليمية والدولية الرئيسية. وهذا هو فحوى اللقاءات التي يستضيفها الكرملين، والتي شملت المملكة العربية السعودية وتركيا بشكل رئيسي، بعد التفاهم مع طهران، لإبعادها عن محور العملية السياسية، مع تطمينها على مصالحها، في ضمان ألا يكون النظام المقبل في سورية معاديا لها، أو مدخلا لتصفية حزب الله في لبنان.
والغائب الأكبر في هذه المفاوضات الأولية، لكن الحاسمة، هي قوى الثورة والمعارضة التي لم تحظ إلا بلقاءات عابرة لمبعوث الرئيس الروسي مع شخصياتٍ لا جامع بينها. وإذا لم تنجح المعارضة، في الأسابيع القليلة المقبلة، في الخروج من تقاليدها القيادية البائسة، وإحداث ثورة في أسلوب عملها، بحيث تتحول من نموذج القيادات الفصائلية المتنافسة والمتنازعة على النفوذ إلى قيادة وطنية واحدة تتحدث باسم سورية ومصالحها الوطنية القريبة والبعيدة كدولة، لا باسم هذا الفصيل أو ذاك، ولا هذه الجماعة الايديولوجية، أو تلك، الإسلامية أو العلمانية، وإذا لم يظهر قادة الفصائل أنهم رجال دولة، وليسوا أمراء جماعة، ويكونوا بالفعل على قدر من التنظيم والحنكة السياسية التي تؤهلهم ليصبحوا طرفاً رئيساً، وممثلين لعموم شعبهم في مفاوضات معقدة وصعبة، تشكل سورية فيها عقدة تقاطعات مصالح متباينة ومتناقضة، ويحتاج التوصل إلى حل نهائي، أو طويل المدى، إلى البحث عن توازنات استراتيجية دقيقة، ربما لن يكون في الإمكان الوصول إليها من دون وضعها، هي نفسها، ضمن مفاوضات إقليمية ودولية موازية، مرتبطة بها، لكن أيضا بملفات ومسائل أخرى اقتصادية وسياسية وعسكرية، أقول إذا لم ننجح في ذلك، سوف نكون الخاسر الأكبر في هذه المفاوضات، وسنصبح هدفاً لتفاهم جميع القوى المتفاوضة ضدنا.
ليس من الممكن، الآن، وربما لن يكون من الممكن أبداً توحيد الفصائل، ولا القوى السياسية التي نشأت على هامش الثورة، وهي اليوم بالعشرات، لتكوين قوة منظمة فاعلة مركزية. لكن الممكن والمطلوب والعاجل أن يتحمل الفاعلون الرئيسيون الذين يحتلون مسؤوليات القيادة في مختلف الميادين، وبرهنوا، في السنوات الخمس الماضية، على قدراتهم على مسؤولية القيادة الوطنية، ويعملوا معا على ترتيب أوضاع المعارضة، بجميع تشكيلاتها. وليس هناك حل، في نظري، لمسألة القيادة في المعارضة السورية سوى أن يقوم هؤلاء القادة في الفصائل المسلحة، وفي أوساط المجتمع المدني، الأكثر فاعلية وموثوقية وقدرة، بتشكيل مجلس قيادة واحد للمعارضة، مع تعيين ناطق رسمي له، وضم من يثقون بهم من أصحاب الخبرة والكفاءة والشخصيات السياسية والوطنية، في ائتلاف المعارضة وخارجه، إلى عضويته، وطرح برنامج عملهم وجدول أعمال وطني على السوريين عموماً لا نزال نفتقر إليها حتى الآن، يمكن نقاشها والتفاعل معها. وهذا يعني، بالتأكيد، أن يرتقي هؤلاء جميعا، بتفكيرهم السياسي وسلوكهم، إلى مستوى القادة الوطنيين الذين يفكرون بمصير سورية وشعبها، وليس بمصيرهم الشخصي، أو مصير فصائلهم أو أحزابهم أو تجمعاتهم، مهما كان نوعها. وهذا هو الشرط الأول، كي لا تتحول التسوية السورية المطروحة اليوم في موسكو إلى تقاسم المصالح والنفوذ بين الدول الإقليمية والكبرى على حساب حقوق الشعب السوري الأساسية، وعلى أجساد أنبل أبنائه ومقاتليه.
المصدر : العربي الجديد