خلاصة لقاء فيينا الرباعي بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية أن التسوية السلمية في سورية، المطروحة روسياً، ومقبولة أميركياً، تضمن بقاء الأسد، وتؤمن عدم سيطرة المعارضة على الدولة السورية، إن بقيت سورية دولة، غير أن مجريات لقاء فيينا ومحصلته ترتبط عضوياً بالزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى موسكو، والتي حملت رسائل شديدة الأهمية والدلالة.
فالإعلان عن الزيارة (ربما لم تكن الأولى منذ الثورة) يعني، مباشرة ومن دون أي تأويل، أن موسكو تمنح بشار دعماً مفتوحاً ومطلقاً، بل وتستطيع حمايته وتأمين خروجه من دمشق وحتى عودته سالماً غانماً. أما إتباع الزيارة بلقاء فيينا فمؤشر بالغ الدلالة، لجهة تقدم مكانة روسيا وموقعها إلى الأمام في معسكر دعم بشار، ما يعني ضمناً تراجعاً إيرانياً بالمسافة نفسها. وهو ما يؤكده غياب طهران عن لقاء فيينا، بعد أن كانت مرشحة، مع دول أخرى غُيبت أيضاً، للمشاركة في أي مشاورات سياسية جماعية.
ربما كان استبعاد إيران لتخفيف حدة اللقاء وتليين مواقف الأطراف الأخرى، خصوصاً السعودية وتركيا. أو لتأكيد أن روسيا عراب التسوية المطروحة بصيغة محددة، لا تقبل التفاوض، إلا في الهوامش، مثل المسائل الإجرائية ومواعيد التنفيذ. وهو ما يتسق مع الانطباع الذي تركته حزمة الاتصالات الهاتفية لبوتين مع عواصم الدول المعنية، من أن موسكو صارت المتحدث الرسمي باسم دمشق، بموجب الاستغاثة العسكرية، أو بالأحرى التفويض الذي تلقفته موسكو من دمشق مُرحبة.
وعلى الرغم من أن بوتين سعى، عبر تلك الاتصالات ثم لقاء فيينا، إلى تجميل التحرك السياسي الروسي برتوش منها استعداد النظام لتسوية سياسية، تتضمن إشراكاً للمعارضة “المعتدلة المسلحة”، إلا أن جوهر الخطوة الروسية الضاغط على المعارضة والدول الداعمة لها كان أكثر حضوراً وبروزاً من ذلك العرض الشكلي. وهو أمر مفهوم في ظل تواطؤ غربي، وتحديداً أميركي. ليس فقط بالنسبة لبقاء بشار، في مرحلة انتقالية غير محددة بدقة.
لكن، أيضاً بالنسبة لطبيعة سلطة الحكم ومكوناتها، وتحديداً موقع المعارضة ودورها في تلك المرحلة. ولا غرابة بعد ذلك أن تمضي موسكو إلى ما هو أبعد، فتطلب من المعارضة، تحديدا الجيش الحر، المشاركة في الحرب على “الإرهاب” وإلا! وما قامت به الطائرات الروسية من قصف لمواقع الجيش الحر، وغيره من فصائل مسلحة لا ترتبط بتنظيم الدولة، ليس سوى بروفة لما يمكن القيام به ضد كل القوى التي تقاتل نظام بشار.
وقد اختبرت موسكو بالفعل ردود الفعل على ما قد تباشره من عمليات ضد المعارضة، من أبرزها اختراق المجال الجوي التركي، والتحرش بالحضور العسكري الغربي. وكانت نتائج تلك الاختبارات مؤشراً إلى أن أياً من الدول، أو الأطراف التي أعلنت رفضها التدخل الروسي، ليست على استعداد لرفع سقف الرفض، إلى حد الدخول في مواجهة عسكرية ضد موسكو، ولو كان السبب في ذلك تعرّض قوات المعارضة لقصف مباشر، أو تنطع موسكو باستعراض عضلاتها الجوية على الحدود بين سورية وتركيا.
لا تكتفي الطبخة الروسية التي تقدمها للمعارضة بمرحلة انتقالية تحت رعاية بشار وإشرافه، وإنما تقرنها بالاصطفاف معه في مواجهة داعش وغيره من الجماعات الموسومة بـ “الإرهابية”. أما إن رفضت المعارضة والدول الداعمة لها ذلك العرض، فسيعني ذلك، من وجهة النظر الروسية، الاصطفاف مع الجماعات “الإرهابية”. وعندها، سيتم التعامل مع المعارضة، سواء الجيش الحر أو غيره، بنمط التعامل المسلح نفسه مع داعش، بأيدي دمشق وطهران وموسكو، تحت سمع واشنطن ولندن وباريس وبصرها.
المصدر : العربي الجديد