مقالات

القدس العربي – روسيا تريد أن تدعم «الجيش السوري الحر»!

تأتي دعوة روسيا لتغطية «الجيش الحرّ» جوياً، لخرطه في معركتها المزعومة ضد «الدولة الإسلامية» كمفارقة تاريخية لافتة بعد أن قامت سياساتها المعلنة والسرية على دعم سياسات النظام السوري في تدمير الحراك السياسي المعارض وإفناء هذا الجيش وصناعة كل الظروف الملائمة لظهور «الدولة الإسلامية» وشقيقاتها، وهو ما يبدو تغييرا (لفظيا على الأقل) لاستراتيجيتها السورية، لا يسنده أبداً، لا تصريح الكرملين حول التزامه أهداف وخطط جيش النظام السوري، ولا وقائع القصف الروسي على الأرض والذي نتج عنه استهداف مركّز لكل التشكيلات المسلحة السورية المعارضة مما أدّى إلى تقدم ملحوظ لتنظيم «الدولة» في ريف حلب، وهو عكس المدعى من الحملة السورية.

يستهدف التصريح الروسي بداية إظهار خواء وفراغ السياسة الأمريكية حول سوريا، فموسكو كانت قد حددت سابقاً قائمة اعتبرت أهم التشكيلات العسكرية السورية المعارضة تنظيمات إرهابية، مما أدى الى زعزعة واضحة في المواقف الدولية والإقليمية، بدءا من فرنسا التي أقرّت لموسكو بتوسيع جبهة الاستهداف من تنظيم «الدولة الاسلامية» ليشمل «التنظيمات الإرهابية» (وهو مصطلح فضفاض يسمح بقصف أي تنظيم سوري معارض ما دام «إسلاميا»)، مرورا بمصر التي أعلنت صراحة دعمها للعمليات الروسية، ووصولا إلى الأردن الذي وافق على التنسيق العسكري مع روسيا، بعد أمريكا واسرائيل.

وكما فعلت «عاصفة الحزم» السعودية والخليجية في اليمن، التي أدّت إلى اضطرار دول المنطقة والعالم إلى أخذ موقف واضح، فقد اضطرت العمليات العسكرية الروسية في سوريا دول المنطقة أيضاً إلى إظهار مواقفها الحقيقية من النزاع السوري.

ومثلما تحمل دعوة الكرملين لـ«دعم الجيش الحر» من مفارقات منطقية، أعلنت موسكو، وفي جملة واحدة، عن موقفين متناقضين، فقد دعت بلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى عدم إلزام الشعب السوري بحلول خارجية، وفي الوقت نفسه تقول إنه «ينبغي أن نجبرهم على أن يضعوا خطة لبلادهم يتم بموجبها حماية مصالح كل مجموعة دينية وعرقية وسياسية بعناية».

روسيا إذن تقصف الجيش الحر وتدعوه لقبول دعمها، وتطالب بانتخابات رئاسية وبرلمانية يختار فيها الشعب السوري «بديمقراطية» ممثليه، ولكنها تريد أن تجبر هذا الشعب على «حماية مصالح كل مجموعة دينية أو عرقية بعناية».

لا يشعر لافروف بالتأكيد أي تناقض في كلامه عن دعم الجيش الحرّ وهو يقصفه، ومطالبته بـ«عدم التدخل في قرارات الشعب السوري» مع إجباره على «حماية مصالح كل المجموعات الدينية»، والعمل على إنجاز «انتخابات برلمانية ورئاسية» مع الإصرار على إبقاء بشار الأسد رئيساً.

ما تفعله روسيا حقيقة هو إعادة تركيب لسوريا يقوم على أسس عديدة أهمها: تواطؤ أمريكي ضمنيّ، واستغلال انغماس تركيا بالحرب مع الأكراد، وانهماك السعودية ودول الخليج في النزاع اليمني، والضغط الذي شكلته أزمة اللاجئين على أوروبا.

واذا تم تظهير هذه الصورة على خلفية الحرب المزعومة على «الدولة الإسلامية» والإرهاب تبدو اللحظة مثالية لموسكو لفرض خطتها السياسية بعد مبادرتها العسكرية، وهو ما سيكون، أيضاً، ورقة استراتيجية لها في سياق مفاوضات لاحقة مع الأمريكيين والأوروبيين لإجبارهم هم أيضاً على «حماية مصالح روسيا» في شبه جزيرة القرم واوكرانيا، وبالتالي، رفع العقوبات عنها، كما حصل في السيناريو الإيراني.

المشكلة الوحيدة في هذا النزوع الدولي والإقليمي لتقبل الخطة الروسية في سوريا هي أنها لا تقدم جواباً حقيقياً على الأسئلة التي رفعتها الثورات العربية وما هي الا استكمال لمسيرة القمع في مصر، وموجة استئصال التيار الإسلامي في الساحات العربية تحت الزعم الروسي نفسه «مكافحة الإرهاب»، ويدخل في هذا النطاق غلق مسارات الأمل للشعب الفلسطيني، وكل هذا ليس إلا مزيجاً رهيباً لاستمرار الموت والبطش وإقفال الباب أمام العدالة والتنمية لشعوب المنطقة، وهي الأجوبة الحقيقية التي يمكن أن تنهي الأزمات العربية.

المصدر : القدس العربي 

زر الذهاب إلى الأعلى