الحكم باسم إسلام سياسي، بدأ يسيء إلى الإيمان الإسلامي ويربك مؤسسات الدولة الحاكمة وفق نهج سياسي مرن وقابل للتعديل وفق حاجات الشعب المستجدة. ولسنا أمام إسلام سياسي واحد. ثمة إسلامات سياسية متصارعة، يدّعي كل منها الهداية وينسب إلى غيره الضلالة، أو التقصير في أحسن الأحوال.
وثمة مستوى من الصراع يحمل قدراً أكبر من الخطورة، مع تعدد درجات الإسلام السياسي بين اعتدال وتطرف. هنا لا يستطيع المعتدل المحافظة على درجة اعتداله، فمن حيث هو إسلام سياسي يجد نفسه معرّضاً للانزلاق نحو التطرف، لأن الأدبيات هي نفسها والخلاف ينحصر في مدى تشدُّد التفسير أمام وضع سياسي أو اجتماعي متأزم، مع ميل المعارضة الإسلامية إلى التشدُّد لتسويغ نفسها بديلاً من الدولة الحديثة، تلك الدولة التي أنهكتها الحروب ضد قوى الاحتلال والاستعمار، ومعالجة الخلافات الاجتماعية الناتجة من تفاقم الفقر والجهل والعزلة.
وتحاول أنظمة إسلام سياسي أن تنسُب إلى نفسها الرشاد وتلصق الخطأ والضلال بأنظمة إسلامية أخرى تناهضها سياسياً واقتصادياً. وتتقدم الجمهورية الإسلامية في إيران كمثل بارز على هذه الحال، فهي التي تحتاج موافقة رجل واحد، هو المرشد، على أي قانون أو قرار صادر عن سلطتيها التشريعية والتنفيذية، لا تستطيع الادعاء بالتميُّز عن أنظمة الإسلام السياسي الأخرى، ونراها ترتبك في العلاقة مع جيل الشباب من مواطنيها ومع الدول غير الإسلامية.
وقد ظهر الارتباك في الطريقة الملتبسة لتشريع الاتفاق النووي داخل مؤسساتها الدستورية، وصولاً إلى موافقة المرشد التي تكون مشروطة دائماً، تحسُّباً لما سيأتي من علاقات وأحداث، ورفضاً مبدئياً لثقافة الطرف الآخر من الاتفاق، أي الغرب، فالإسلام السياسي يخشى أكثر ما يخشى ثقافة الآخر، خوفاً من أن يؤدي الحوار معه إلى درجة ما في تغيير النمط الأبدي للحكم وللمحكومين. ومن علامات الخوف من الثقافة، الحكم على المخرج السينمائي كيوان كريمي بالسجن ست سنوات وبالجلد 223 جلدة (علق أحد الأصدقاء متندراً: لماذا ليس 220 أو 225 جلدة؟!)، والتهمة هي «انتهاك المحرّمات»، علماً أن كريمي الذي يبلغ الثلاثين من العمر أخرج في العام 2012 فيلم «حدود مكسورة» الذي حاز جوائز في مهرجانات عالمية عدة، وهو بهذا الحكم ينضم إلى زميله جعفر بناهي الذي حُكم عليه في العام 2010 بالمنع من العمل السينمائي مدة 20 عاماً.
كل إسلام سياسي حاكم يحمل بذرة «داعش»، وهي تتنامى داخله حتى تمزّق ستارة اعتداله وتظهر حقيقة التطرف ومصادرة حرية الناس وإيمانهم، ودفعهم إلى زاوية العزلة عن إخوتهم البشر.
و «داعش» الذي يضرب هذه الأيام من مشرق العالم العربي إلى مغربه، ويحتل مواقع في مجتمعات إسلامية في أقصى الشرق وفي أفريقيا، لم يحظَ بخطة واقعية لمناهضته، بل إن الأنظمة الإسلامية المتصارعة، يستخدمه كل منها فزّاعة في وجه الآخر. ولم تدفع جرائم «داعش» الأنظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي إلى استنهاض المؤسسات السياسية والدينية لمناهضة التطرف القاتل، ووضع خطط عملية تتناول الإصلاح في المساجد والمدارس والمنتديات العامة، فضلاً عن تعميم الشفافية والوضوح في قرارات المؤسسات العامة وإجراءاتها التنفيذية.
وتستمر معاناة المواطنين المسلمين وتتفاقم، إذ يرون يومياً تشويه صورة دينهم، ويعجزون عن الاكتفاء بنعمة الإيمان وأخلاقياته بعيداً من الشأن السياسي الذي يفترض حضوره تحديداً في برامج واقعية في الاقتصاد والأمن والثقافة، وهي برامج غير مقدّسة قابلة للتعديل أو التغيير بحسب مقتضى الحال.
المصدر : الحياة