مقالات

رأي القدس – إيران والمفاوضات الدولية حول سوريا

تجيء مشاركة إيران في المفاوضات الدولية المنعقدة اليوم في فيينا كتطوّر جديد مهم، وكنتيجة للتطوّر الأهم السابق عليه وهو التدخل العسكري الروسي في سوريا.

لا تتعلق هذه المشاركة فقط بحجم إيران ودورها المنخرط في الأزمة السورية، عبر مستشاريها وجنرالاتها وعناصر الحرس الثوري الذين قدّر وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر عددهم بثلاثة آلاف، وكذلك بقوات «حزب الله» اللبناني الموالي لها التي تشارك بدورها في المعارك إلى جانب النظام، فالمعارضة السورية، بكافة تشكيلاتها المسلحة والسياسية، لم تتمثّل، ناهيك عن عدم تمثيل النظام نفسه!

الأحرى القول إن جلوس طهران على طاولة المفاوضات السورية نتيجة لقرار روسيّ لتشغيل معمل حلفائه القريبين والبعيدين للحدّ من تأثير خصومه الأساسيين الحاضرين للاجتماع، وهم، حالياً، فرنسا والسعودية وتركيا، وبوجود مصر والعراق ولبنان والأردن فإن حجم الضغط سيكون كبيرا.

الافتراض الكامن هو أن الخلافات بين الأجندتين الروسية والأمريكية حول سوريا قد تقلّصت كثيراً وأن ما يجري في الخفاء من تنسيق لا يتطابق بالضرورة مع التصريحات الدبلوماسية الأمريكية عن «ضرورة رحيل الأسد».

وهو ما يمكن استدلاله بوضوح كاف من حادثة استجواب لجنة القوات المسلحة في الكونغرس عبر السيناتور ليندسي غراهام لوزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر والجنرال دنفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية، الذي سأل بجلاء ما بعده جلاء إن كانت أمريكا تريد إزاحة بشار الأسد الذي يريد شعبه أن يسقطه لقتله أكثر من 250 ألف شخص، وكان جواب دنفورد أنه لا يعرف! وحين سأله إن كانت القوات التي تدعمها أمريكا في سوريا قررت أن تسقط الأسد فهل ستدعمها في قرارها، فكان الجواب، مجددا، أنه لا يعرف! وحين سأل غراهام وزير الدفاع إن كان الموالون لأمريكا في سوريا يريدون إسقاط الأسد فقال «إنهم يريدون محاربة داعش»!

«الاستراتيجية» الخارجية الأمريكية بهذا المعنى هي التي استدعت حضور إيران في مؤتمر فيينا، كما استدعت، بتفاهم بين موسكو وواشنطن أو من دونه، التدخل العسكري الروسي في سوريا.

وإذا كانت أقوال كارتر ودنفورد لا تكفي لتفسير هذا، فإن الدلائل على فكرة «تلزيم» واشنطن لروسيا بحلّ سياسيّ في سوريا أكثر من أن تحصى، بداية من عدم وجود أي ردّ أمريكي، باستثناء الأقوال، على استهداف روسيا لخصوم النظام السوري، بما في ذلك قصفها أمس لمناطق في محافظة درعا القريبة المحاذية للأردن وإسرائيل، مروراً بالتزامها تسليح طرف واحد هو «وحدات الحماية الشعبية» التي شكلها «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وهو طرف قام بانتهاكات بالجملة في المناطق العربية التي احتلها، ويعادي تركيا، الحليف الأساسي للمعارضة السورية، وأخيرا باضطرار السعودية وتركيا للجوء لفرنسا لتأمين دعم دولي للمفاوضات بدلاً من الشريك الأمريكي المتخاذل.

في هذا السياق تبدو المفاوضات الجارية محاولة أمريكية، أكثر منها روسية، بتطويع المواقف التركية والسعودية والقطرية، وتمرير المسرحية الانتخابية التي لا ينفك يفوز فيها بوتين، وبدوره سيفعل الأسد.

رغم كل ذلك فإن وضوح المواقف الأمريكية قد يعزز الضغوط على خصوم الأسد وإيران، ولكنه، إذا كانت مواقف خصوم النظام السوري واضحة أيضاً، قد يعطي مفعولاً معاكساً ويؤدي إلى تعزيز الخطّ الفرنسي، الذي تعرّض لهجوم خاصّ من قبل النظام السوري قبل أيام، يتهمه، كالعادة، «بدعم الإرهابيين».

دخول الإيرانيين على خط الصفقة الروسيّة ـ الأمريكية قد يكون مع ذلك عاملاً محرّكاً لأنه يقدّم إطاراً ممكناً لتسوية شاملة في المنطقة، لكن الأوان لهذه التسوية، مع خط سياسيّ أمريكي متراجع أمام الروس، لا يبدو قريباً.

المصدر : القدس العربي 

زر الذهاب إلى الأعلى