مقالات

عبد الناصر القادري – الفرحة السورية تعمُ تركيا..

ضجت صفحات التواصل الاجتماعي السورية والعربية والتركية بالتبريكات والتهاني لفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التركية بشكل كبير وملحوظ وغير مفاجئ ، بعد توجس وترقب دام شهور خوفاً من انتقال الحكم من يد المحافظين إلى اليسار الذي هدد بطرد السوريين من تركيا إن فاز وشكل الحكومة .

اكتسح العدالة والتنمية شوارع تركيا وبرلمانها والحكومة بمفرده ، ورفرفت أعلام تركيا و “اللمبة” في كل المدن والقرى ، مع ندرة صور الطيب أردوغان أو داوود أوغلو إلا من صفحات السوريين والعرب المهجرين.

قيل أنّ السوريين فرحوا أكثر من أردوغان بالنتيجة ، لربما نعم ، الفرح السوري بالفوز التركي ليس نفاقاً أو مجاملة ، لا يمكن فهم هذا الفرح أو السرور على أنه تقديس لأردوغان أو حزبه ، بل لأن الغريق يتعلق بقشة ، لأن الغريق يريد من ينقذه بعيداً عن اسمه وعرقه ولونه . لعب العدالة والتنمية الدور مع الشعب التركي طبعاً ، ووقف إلى جانب الشعب السوري في محنته وثورته وتهجيره.

يظن البعض أنّ أردوغان وحزبه هو مخلص الأمة من عذاباتها ليس ذلك أبداً ، لكن العدالة استطاع أن يكون مع الأمة يعيش همها فقط ! ، ولم يقف ضد شعب من الشعوب في خياراته نحو الحرية والكرامة والحياة.

في اسطنبول خصوصاً وتركيا عموماً مهجرين من كل بلدان الربيع العربي وعلى رأسها سورية ، إضافة للفسلطينيين ، تركيا تحضن الجميع ، لا تقدم لهم الدعم المادي ولكنك فيها لست غريباً أو محاصراً أو ملاحقاً ، ببساطة أنت في تركيا حر. لا دعم مادي للسوريين المقيمين في المدن لأنهم يدخلون كسياح وليس لاجئين أما الدعم المادي فهو في المخيمات غير منقطع.

كان فرح السوريين بفوز العدالة والتنمية من مبدأ أخلاقي برد الجميل ، لوجود جار للثورة السورية يقف إلى جانبها ويدعمها ، ولأن تركيا هي أكثر بلد عامل اللاجئين السوريين سواءاً في المخيمات أو خارجها بأسلوب حسن وجيد. صوت الكثير من السوريين بغالبيتهم ومعهم شباب الربيع العربي المغربين عن ساحات الحربة في بلدانهم بالدعاء لأن يحفظ الله هذه البلد من كل مكروه.

مر مهجروا سورية في تركيا بظروف صعبة سببت هجرة جماعية كبيرة لكثير منهم نحو أوربا لعدم استقرار الوضع في تركيا وذلك في فترة الانتخابات الأولى ثم المبكرة ، والهجمات الإرهابية التي نفذها حزب العمال الكردستاني وداعش ، إضافة لإغلاق المعابر مع سورية واكتشاف عدة سيارات مفخخة على الحدود. ناهيك عن الوضع القانوني للسوريين ، ودخول الجامعات الصعب وأسعار دورات تعلم اللغة التركية .

انتظر الجميع نتائج الانتخابات أتراك وعرب وأكراد ، وفاز العدالة بغالبية الأصوات ، الاستقرار الداخلي والاقتصاد والأمن أسباب جوهرية لفوز العدالة والتنمية ، وللسياسة الخارجية التي انتهجها الحزب منذ وصوله للسلطة قبل 13 عام ، التي تهتم بالجذور الثقافية والجغرافية والتاريخية بين تركيا وبلدان الشرق الأوسط والإقليم ، والانفتاح الضروري لتركيا حتى تصبح ذات دور محوري في المنطقة كما كانت قبل ذلك بعقود ، كما يذكر رئيس حزب العدالة والتنمية في كتابه العمق الاستراتيجي الذي كتبه مطلع عام 2000.

لم تستقر الأوضاع مؤكداً في تركيا بعد ولكنها آخذة في طريقها نحو ذلك ، والبقاء السوري للمهجرين فيها متعلق بمدى التزامهم بقوانين ومبادئ وقيم هذه البلد.

الفرح السوري وتوزيع الحلوى في شوارع تركيا لاقاه الشعب التركي بالترحاب والقبول الكبير لأن السوريين بذلك كالأتراك تماماً يحبون أن تكون تركيا مستقرة وآمنة سواء بقي السوريين أو عادوا لأرضهم الذي يحبون ويفضلون .

فرح السوريون لأنهم يتشوقون لأن يعيدوا تجربة العدالة والتنمية في بلدهم سورية بعد أنّ أعادها الطاغية إلى العصر الحجري بعد أن جعلها ركام وقتّل من شعبها مئات الآلاف وشرد الملايين وأفقرهم وأذلهم في بلدهم وبلدان الدنيا ، فرح السوريين هو حسرة في جانب آخر هو قدرتنا كربيع عربي على استنساخ التجربة التركية الحضارية والتنموية والاقتصادية وأن نحيا كراماً في بلدنا . فرح السوريين لأن فوز العدالة والتنمية هو نكسة للثورات المضادة في الشرق الأوسط ونكبة على الطغاة في كل مكان. 

خاص لـ وطن إف أم .

زر الذهاب إلى الأعلى