نحن أمام موقفين على طرفي نقيض في محادثات الأزمة السورية٬ وتحديدا الحديث عن المرحلة الانتقالية٬ ورحيل بشار الأسد. اللافت أن الموقفين المتناقضين جاءا في يوم واحد؛ الأول صادر عن المتحدثة باسم الخارجية الروسية٬ والآخر صادر عن نائب وزير خارجية النظام الأسدي.
في موسكو قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية٬ ماريا زاخاروفا٬ ردا على سؤال عما إذا كان الإبقاء على الأسد مسألة مبدأ بالنسبة لروسيا٬ إنه «بالقطع لا. لم نقل هذا قط»٬ مضيفة: «نحن لا نقول إن الأسد يجب أن يرحل٬ أو يبقى»!
بينما رفض فيصل المقداد٬ نائب وزير خارجية النظام الأسدي٬ من إيران التي يزورها٬ فكرة فترة انتقالية٬ معلنا أن هذه الفكرة موجودة فقط «في أذهان من لا يعيشون على أرض الواقع»! والتناقض لا يقف عند هذا الحد٬ فبينما نقلت وكالة «إنترفاكس» للأنباء أمس عن ميخائيل بوغدانوف٬ نائب وزير الخارجية الروسي قوله: «الأسبوع المقبل سندعو ممثلي المعارضة إلى مشاورات في موسكو»٬ قال المقداد من طهران أيضا: «لم نتلق أي شيء رسمي فيما يخص لقاء الحكومة السورية مع المعارضة»! وعليه٬ فمن الذي لا يعيش على أرض الواقع الآن؟ هل هم الروس؟ إذا كان ذلك٬ فلماذا استعان بهم الأسد؟
قد يقول قائل إن الروس يناورون بالحديث عن أن إبقاء الأسد ليس مسألة مبدأ بالنسبة لهم٬ وهذا صحيح٬ لكنه تصريح مهم٬ ويجب أنُيلتقط٬ ومن باب خذ وفاوض. ما يجب أن نتذكره هنا٬ أن الروس كانوا يرددون رفضهم الشروط المسبقة٬ وتحديدا الحديث عن مصير الأسد٬ والآن يعلن الروس أن بقاءه ليس مسألة مبدأ. كما أن الروس كانوا يقولون إنه لا يوجد هناك شيء اسمه «الجيش الحر»٬ والآن يبدون الاستعداد للتفاوض معه!
ولذا٬ فإن الموقف الروسي هذا لا يعد مهّما فحسب٬ بل إنه يحشر إيران في الزاوية٬ خصوصا بعد تصريحاتها الأخيرة التي هاجمت فيها السعودية٬ واتهمتها بلعب «دور سلبي»٬ كون الرياض تطالب برحيل الأسد٬ وتعتبر ذلك أساس الحل في سوريا. والآن نحن أمام موقف روسي يقول: إن بقاء الأسد ليس مسألة مبدأ٬ وربما الآن نستطيع فهم التلويح الإيراني بالانسحاب من المفاوضات السورية٬ فقد يكون احتجاجا على الروس٬ أكثر من كونه احتجاجا على السعوديين٬ كما تردد إيران!
المؤكد الآن أن الأسد هو الذي لا يعيش على أرض الواقع٬ ولذا فمن المفترض الترحيب بالتصريح الروسي الذي لا يرى الحفاظ على الأسد كمسألة مبدأ٬ ويجب أن يطالب العقلاء روسيا بضرورة البناء على هذا الموقف للمضي قدما في تحقيق العملية الانتقالية السياسية. وبالطبع٬ فإن هذا الترحيب يجب ألا يقود إلى التراخي في دعم المعارضة٬ وتحديدا الجيش الحر٬ بل لا بد من استمرار العمليتين؛ السياسية والدعم العسكري٬ وبشكل متواٍز٬ حتى يتم تحقيق نجاح حقيقي في محادثات السلام٬ وهذا هو الهدف الأهم.
المصدر : الشرق الأوسط