لا أفق واضحاً أمام مسار فيينا السوري الذي ينعقد غدا السبت في دورته الثالثة، بحضور نحو 20 دولة، تمثل الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة، من دون دعوة أصحاب القضية. وغياب الأطراف السورية المعنية ليس دليل حكمة، ولا تحكمه رجاحة عقل وحسابات مدروسة، بقدر ما يعبر عن عدم نضج اللحظة السورية الراهنة التي لا تزال متشظيةً في اتجاهات مختلفة، ومسارات متباعدة.
لا أحد، من الأطراف الدولية المقرّرة، على استعداد ليخبر السوريين أن لقاءات فيينا ليست مكرسة لإيجاد حل لقضيتهم، وإنما هي لا تعدو أن تكون محاولة ملتبسة لتلفيق فرصة حل.
ومن هنا، ليس من الغرابة أن تطغى على الاجتماعات أجواء الشد والجذب، وتبدو المسافة بين الأطراف حول الطاولة شاسعة جداً، وهي أقرب إلى الحرب أكثر بكثير منها إلى السلم. وأعطت الجولة الثانية من المباحثات، التي انعقدت في نهاية الشهر الماضي، فكرة واضحة عن المسارات التي ستسلكها المسألة السورية في المدى المنظور. وهي مساراتٌ لا تبشر بنهاية قريبة للتصعيد والمواجهة والحروب، بل إن أجواء الجولة الثانية حملت قدراً كبيراً من الانقسام بين الأطراف، وتكرّس هناك معسكران على طرفي نقيض، معسكر الأطراف الداعمة للثورة السورية (السعودية، تركيا، قطر)، ومعسكر الطرفين الداعمين للنظام السوري (إيران، روسيا)، وسط تنصل الولايات من المسؤولية الأخلاقية والسياسية، وانسحابها من لعب دورها الطبيعي قوة عظمى، والاكتفاء بالوساطة بين المعسكرين، ويلاحظ أنها كانت ميّالة إلى قبول اقتراح جدول أعمال للقاء جنيف الثالث، أقرب للطرفين الروسي والايراني، يعطي أولوية لمحاربة الفصائل العسكرية السورية التي تقاتل النظام، وليس داعش، وفق ما تقتضيه الحرب على الإرهاب، الأمر الذي استفز وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، ودفعه إلى توجيه كلام نابٍ إلى نظيره الروسي، سيرغي لافروف، واتهامه بالكذب، كون روسيا توجه ضرباتها الجوية، منذ أول الشهر الماضي، ضد المعارضة المعتدلة، ولم تتعرض لداعش.
ويفيد ما تسرب عن خلافات بين المعسكرين، حول تحضيرات لقاء فيينا الثالث، أن واشنطن ليست في وارد الضغط على طهران وموسكو، من أجل قبول جدول أعمالٍ يشكل حلا وسطاً وأساساً يمكن البناء عليه مرحلة أولى، بهدف الوصول، في مرحلة لاحقة، إلى تفاهمات بين الأطراف. وكما في كل مرة، منذ بداية الأزمة السورية، يشكل وضع رئيس النظام، بشار الأسد، عقدة الموضوع، فبين طرف يعتبر الاتفاق على رحيله مدخلاً وأساساً للحل، وطرف آخر يعمل على تعويمه، ويضع نزع سلاح خصومه من الفصائل نقطة بداية.
وعلى بعد يوم من انعقاد الجولة الثالثة، لا تبدو الصورة مختلفة عنها في ختام الاجتماع الثاني، حيث تفيد خطة المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بأن الأولوية اليوم هي لمحاربة الإرهاب، حسب التعريف الروسي الإيراني. وبالإضافة إلى ذلك، هناك خلاف على تحديد ماهية المعارضة السورية، في حين أن النظام واضح للأطراف كافة.
ومن هنا، يجري الضغط من جانب إيران وروسيا لجر الآخرين في هذا الاتجاه، من أجل حرف مسار القضية بالكامل، وكسب الوقت بهدف إعادة إنتاج الأسد، وهناك بعض العرب المشاركين في مسار فيينا من يتبنى هذا المنطق، إلى حد أنه يعتبر كل الفصائل المسلحة التي تقاتل الأسد إرهابية، ويطالب بتوجيه الضربات العسكرية لها.
يحمل هذا المنطق مخاطر كثيرة، ولا يقترب من الحل، عدا عن أنه لا يقدم جديداً، ولا يتسم بالجدية، ذلك أن الفصائل السورية التي تحارب النظام متفقة على أن إرهاب الأسد وداعش وجهان لعملة واحدة. وما لم تتفق الأطراف على هذه القضية، لن يكون هناك حل، لأن فصائل المعارضة السورية أبلغت جميع الأطراف أنها لن تقبل بأقل من جنيف 1.
المصدر : العربي الجديد