مقالات

عبد الناصر القادري – طفلك يا وطن !

من أصعب ما يمكن أن تكون سورياً في هذا العالم الضيق رغم اتساعه ، فكل العيون تلاحقك ، كل نشرات الأخبار تحكي عنك ، كل مانشيت عريض في الصحف لابد أن يبدأ بك ، في قرب كل تفجير على اتساع الكرة الأرضية سيكون جواز سفرك السوري الكحلي اللون كعيشتك موجوداً بالصدفة . والأصعب أن تلدَ كسوري في هذه الأيام ، أو أن تكون طفلاً سورياً على متن هذا الكوكب المختصر بخيمة.

في سورية اليوم 18858 طفل شهيد موثقين بالاسم والصورة والعدد أكبر بكثير فما تحت الركام كبير؛ قتلوا بدون أي ذنب يذكر على يد ميليشيات ممانعة الطائفة وجيش مقاومة الشعب ، واعتقل أكثر من 10413 طفل في أقبية المخابرات وثكنات الجيش وسجون البلد العامرة بالشعب العميل الإرهابي ، في سوريا حُرم أكثر من 2 مليون طفل سوري من مدراسهم حيث تضررت أكثر من 4000 مدرسة نصفها مدمر ، في سوريا أكثر 20 ألف طفل يتيم فقدوا آبائهم وعزوتهم وحلمهم وأكثر من 50 آلاف طفل يتيم حرموا من أمهاتهم ولا شيء في الأرض كلها سيعوضهم .

 في سوريا أصبح الطفل يلعب لعبة الحرب ويحمل العصي على أنها أسلحة ، ويموت موتة الشهيد ، ويعتقله أصدقاءه  ، وبات يعرف أصوات القذائف وأسماء الأسلحة ويتعرف عليها لتصبح مفردات رصاص روسي ، رشاش 500 ، مدفع رشاش 23 ، هاون بكل عياراته ، مدفعية ثقيلة عيار 120 ، دبابة ت 72 ، فوزديكا ، قناص ، قنبلة يدوية ، دوشكا ، كاتيوشا ، غاز السارين الكيماوي ، غاز كلور ، نابالم ، غاز الأعصاب ، ميغ ، سوخوي ، براميل متفجرة …

 ناهيك عن المفردات اليومية لألعابهم وقصصهم وحكاياتهم لتبدأ بـ شبيح ، عوايني ، مؤيد ، معارض ، ثوار ، حرية ، كرامة ، يسقط النظام ، شهداء ، حرف السين ، مندس ، جرثومة ، مظاهرة ، جيش حر ، معارضة ، خاين ، حاجز ، حاجز طيار ، مداهمة ، جيش ، اعتقالات ، شهيد تحت التعذيب ، جريح ، لاجئ ، نازح ، مفقود ، مخطوف ، فدية ، فرع المنطقة ، المخابرات الجوية ، البلم ، البحر ، تهريب ، خفر السواحل ، اليونان ، ألمانيا ، السويد ، بصمة  ، إقامة دائمة ، غرق ، لجوء ، لم شمل  ……

أصبحت لغة الحرب ومفردات الحرب وحروف الحرب وأسلحة الحرب وانتصار الثورة ، والقصاص العادل ، هي أحاديث الأطفال في سورية ، لم يعد الطفل لا يَعرف ، بل هو من يَعرف ويعلم ، لم يعُد للجدران آذان تسمع ، ولا صوت الليل بودي ، صار الأطفال السوريين يتابعون قناة الجزيرة الإخبارية وبرنامج الاتجاه المعاكس وقنوات أورينت والجيش الحر ويسبون قنوات الدنيا وسما والإخبارية السورية والمنار والميادين .

بات أطفال سورية كبار في وقت مبكر جداً ، لم يأخذوا قسطاً كاملاً من طفولتهم معهم نحو شبابهم ، لم تعد البنات تفكر في تسريحة فلة ، فقد أصبح همها كيف لا تموت أمها ، ولا يعتقل أباها ، وكيف تذهب للمدرسة وتعود وهي على قيد الحياة .

في سوريا أكثر من 127 ألف طفل ولدوا في مخيمات اللجوء ولا يحملون جنسية ولا جواز سفر ، ولد طفل سوري مع لاحقة ولدت معه “طفل سوري لاجئ” . في شوارع البلدان المجاورة ينتشر الأطفال السوريون وهم يحملون المناديل وعلى جبينهم كُتب أنا سوري ، ثيابهم ممزقة ، حفاة ، متسخون ، يثيرون في نفوسنا الموت خجلاً .

 لقد استطاع سيادة الطاغية بعد أن جلب كل مرتزق شيعي ومحتل  في هذه الأرض إلينا من جعل أطفال سوريا شحاذين في طرقات العالم ، أو ينتظرون المعونات في المخيمات وقد كانوا كراماً في دورهم التي دمرها.

في اليوم العالمي لحقوق الطفل و بعد خمس سنوات من الحرب على الأطفال الصغار مستقبل سوريا وأملها ، لم يعد من كان طفلاً في البداية كذلك اليوم ، فقد كبُر وكبرت معه حكايا كثيرة ، ليست حكاياتُ ما قبل النوم طبعاً ، ولا ليلى والذئب ، ولا باسم ورباب ، لقد مات باسم شهيداً بقرب مظاهرات الحرية وقُطعت أطراف رباب بالقصف على حمص ، واعتقلت ليلى في قرى حوران وبقي الذئب ينهش ببقية أطفال غوطتي دمشق .

لقد نسي أطفال سوريا أفلام الكرتون الذين اعتادوا عليها بُعيد المدرسة فالكهرباء مقطوعة بكل الأوقات تقريباً ، لم يعد سؤال أحمد متى عيد ميلادي يا أمي ؟ بل متى سيخرج أبي من فرع فلسطين ، ولم تعد ترتدي عائشة ثيابها المدرسية كل صباح فمدرستها في حلب قد قصفت بالبراميل المتفجرة . لا ينتظر بدر صديقه أنس في الحارة ليلعبوا كرة القدم كالمعتاد فأنس بات شهيداً برصاص قناص في درعا البلد .

في يوم الأطفال نتذكر أطفال درعا وحمزة الخطيب طفل الحرية وثامر الشرعي أيقونتها ، وبائعة البسكويت الجميلة ، والطفل الذي سيحكي لله عن كل شيء ، وإيلان الغريق وكل طفل سوري .

في اليوم العالمي لحقوق الطفل أثبت العالم المتحضر أنه كذبة كبيرة ، فإن قلت لهم هناك أطفال بلا مأوى يموتون من البرد ، فيكون الجواب وماذا عن الأقليات ؟ أطفال سوريا بلا تعليم ، جوابهم ماذا عن داعش ؟ أطفال سوريا بلا دواء ، نحن الأميركيون نسعى مع الروس لحل سياسي .

لا يمكن تصديق أن للطفل السوري وحتى العراقي ولا الفلسطيني ولا المينماري المسلم حقوق ، ومن وضع هذه القوانين والحقوق يدعم المستبدين والمجرمين إما بالسلاح أو بالسياسة أو بالمال أو بالصمت.
 في سوريا الطفل يموت بكل الأشكال من قصف وجوع وبرد وغرق ، ويتشرد وينزح ويلجأ ولا أحد يلقي له بالاً حتى يخرج جيلٌ يكافح بالحجارة ليستعيد حقه … لتصبح التهمة طفلك يا وطن إرهابي! .

خاص لـ وطن إف أم 

زر الذهاب إلى الأعلى