منذ أن بدأ سلاح الطيران الروسي عملياته العسكرية في أجواء سوريا، بدأ فورًا الخوف من صدام عفوي أو متعمد مع تركيا. فإن تركيا ليست الجارين الآخرين، الأردن ولبنان. والعلاقات بين موسكو وأنقرة هشة منذ عقود، أي من أيام الاتحاد السوفياتي، وقبل وصول حزب العدالة إلى الحكم.
والأسباب كثيرة، أهمها الواضح منها، أي عضوية تركيا في الأطلسي، والقواعد الأميركية على أراضيها.
وبعد أزمة الصواريخ بين واشنطن وموسكو كان أول ما طلبه نيكيتا خروشوف، وقبلته الولايات المتحدة، خفض الوجود العسكري الأميركي عند الجارة التركية، التي تراقب حركة الطيور على أنواعها لدى السوفيات.
وقد تعرضت العلاقات التركية – الأميركية لأزمات كثيرة، لكنها لم تؤد مرة إلى ابتعاد أنقرة عن واشنطن واقترابها استراتيجيا من موسكو. التدخل الروسي في سوريا كان أهم التطورات على الحدود حتى الآن.
فالروس جاءوا لمساندة نظام في دمشق على عداء شديد مع الحزب الحاكم في تركيا، حيث يعيش ألوف السوريين، إضافة إلى مراكز المعارضة السياسية والعسكرية. ومنذ اللحظة الأولى بدأ امتحان الأعصاب الجوي بين الفريقين، كما بدأ “دخول الأجواء خطأ” من قبل الفريقين. لكن هذه المرة تجاوزت المسألة التحرش والخطأ إلى “إسقاط الكرامة الروسية” نفسها دون تردد. وسواء كان الأمر خطأ من هنا أو هناك، فإن تركيا تعمدت توجيه رسالة حادة إلى الحلف الروسي الإيراني السوري في مناخ بالغ التوتّر أصلا.
إذ يبدو أن إقامة “المنطقة الآمنة” قرب الحدود التركية أصبحت وشيكة. وهي مسألة عارضها باراك أوباما طويلاً بداعي أنها تتطلب نشر قوات بريّة كثيرة. غير أن قرار فرنسا دخول الحرب بعد هجمات باريس، أدى إلى تغيير جذري في استراتيجيات الجميع.
سوف تتغير الاستراتيجيات مرة أخرى بعد حادث السوخوي 24، التي أسقطتها فانتوم 16، وهو مما يزيد في مرارة الروس. وإذا أضفناه إلى إسقاط الطائرة المدنية فوق شرم الشيخ، فإن تحدي سمعة بوتين في بلاده يبدو حادا. لقد جاءت روسيا إلى سوريا بعرض جوي وصاروخي لا سابق له، وتعرضت لنكستين في مرحلة قصيرة، كلتاهما لا تُحتمل.
هل هو حادث وعبر، أم هي سياسة تركية مستمرة كما أوحى داود أوغلو؟ لقد زاد في الإهانة، كما قال بوتين، أنه بدل أن تتصل تركيا بروسيا أولا، اتصلت بالحلف الأطلسي. التحدي مرتان.
المصدر : الشرق الأوسط