هناك اليوم توافق دولي على الأسس التي يقوم عليها الحل السياسي في سوريا لم يكن موجودا في حدوده الدنيا من قبل.
في الظاهر كان وجود بشار الأسد في المرحلة الانتقالية قد شكل عقدة الخلاف بين روسيا وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى. ولكن علينا أن نتذكر أن روسيا والصين كانتا قد استعملتا حق النقض في مجلس الأمن، في وقت لم تكن فيه مسألة رحيل الأسد وحده عن السلطة ضاغطة على العقل الغربي. كانت المعطيات على الأرض يومها تسمح للمعارضة برفع الشعار التقليدي الذي ينادي برحيل النظام كله، وهو ما لم يتحقق بالرغم من مضي أكثر من أربع سنوات عجاف من الحرب.
وإذا ما كانت المعارضة قد ركزت هدفها على أن لا يكون الأسد جزءا من الحل في المرحلة الانتقالية، فلأنها حاولت أن تكون واقعية في مسألة القبول بالنظام كونه يمثل ضمانة لاستمرار بقاء الدولة ولئلا يتكرر النموذج العراقي في سوريا.
غير أن ما تفكر به المعارضة مدعومة من بعض الأطراف الإقليمية لم يكن ملزما للأطراف الدولية، وبالأخص الولايات المتحدة التي كفّت عن تقديم الدعم العسكري للمعارضة بعد أن تبيّن لها أن كل ما كانت تقدمه في الماضي قد تم تمريره إلى الجماعات الدينية المتشددة.
اليوم تقف المعارضة أمام عرض الذهاب إلى المفاوضات من غير شروط مسبقة، وهو العرض نفسه الذي قُدم إلى النظام. خارج ذلك العرض فإن كل شيء سيتخذ طابعا انتحاريا لن تستفيد منه المعارضة ولا النظام.
لقد صار على قوى المعارضة بعد أن هُمّشت أن تحسب خطواتها خشية أن تنزلق بها الأحداث إلى الهاوية، أما النظام فقد صار عليه أن يفكر بطوق النجاة الأخير، من غير أن يمنّي النفس بالخروج منتصرا.
فالمسألة كلها لم تعد محصورة في ما يريده السوريون، الذين كان غيابهم عن مؤتمر فيينا بمثابة دليل واضح على عدم اكتراث القوى الدولية بما يفكرون فيه أو ما يريدون. ما حصدوه من فجائع الحرب هو حصتهم. أما قرار السلام فسيكون استثمارا أجنبيا، سيكون على السوريين أن ينعموا بعطاياه الحذرة.
الحل السياسي لن يكون سوريا مثلما هي الحرب التي لم تكن سورية إلا في جزء من أدواتها. فلا أحد من السوريين يمكنه أن يستقل بفكرته عن المرحلة القادمة. كل ما يقوى السوريون على القيام به أن ينصتوا إلى الأصوات من حولهم، وهي تنتقل بخفة بين نعومة وعودها وخشونة ما تحذر منه.
ذلك لأن التسوية التي تسعى الأطراف الدولية إلى الوصول إليها لن تكون بالضرورة عادلة، وهو ما يجب أن يحتاط منه السوريون وهم مضطرون للقبول بكل ما يُطرح عليهم.
رفض تلك التسوية حتى وإن كانت نوعا من السمّ من قبل المعارضة أو من قبل النظام على حد سواء معناه استمرار المحرقة. ذلك لأن الاتفاق الدولي على ضرورة دحر التنظيمات الإرهابية تزامنا مع بدء المفاوضات السياسية، لن يكون ملزما لأي طرف دولي إن عزف السوريون عن الحوار.
لن أكون متفائلا فأدعو السوريين، معارضة ونظاما، إلى التفاوض مع العالم بجهتيه، المناصرة للنظام والداعمة للمعارضة، لكي يكون أكثر إنصافا. فالسوريون وقد أثبتوا في وقت مبكر من الصراع أنهم لا يملكون الحد الأدنى من القدرة على الحوار هم وليس سواهم مَن فتح الأبواب السورية للتدخلات الأجنبية.
لم يتحملوا مسؤولية إدارة الأزمة في بلادهم، فكان انسحابهم مناسبة لكي تفعل القوى الإقليمية والدولية ما تراه مناسبا لمصالحها في صراع كانت فيه روسيا أكثر اللاعبين وضوحا. كشف التدخل الروسي حجم تورط الجهات الأخرى في الحرب السورية، لذلك صار البحث عن تسوية ترضي الطرفين الدوليين واجبا ملحا. في هذه الحالة لن يتساءل أحد عما يرضي الطرف الثالث الذي هو الشعب السوري.
المصدر : العرب