انقسمت الآراء حول مصير الأسد ودوره في مستقبل سورية، فحلفاء النظام السوري داخل الوطن العربي وخارجه يريدون بقاءه أو هكذا يقولون، أما الدول الغربية فترى أن بقاءه ولو إلى حين، أي خلال المرحلة الانتقالية، أمر ممكن ومطلوب، فيما يرى آخرون أن لا دور للأسد في مستقبل سورية على الإطلاق.
بطبيعة الحال كل فريق من هذه التيارات الثلاثة، وهي معروفة ولا تحتاج إلى ذكر، يستند إلى مبررات معينة ترتكز إلى قراءة سياسية مختلفة، بخاصة التيارين الأول والثالث، أما الدول الغربية فكان موقفها من مصير الأسد رمادياً ومراوغاً عبر المراحل المختلفة للأزمة السورية، حيث كان البدء بالمطالبة برحيله من دون أن تفعل هذه الدول شيئاً في هذا الاتجاه، مع أنها قادرة على ذلك، مروراً بموقفها المفاجئ من استخدام النظام للأسلحة الكيماوية وانتهى بها المطاف للقبول بوجود الأسد خلال المرحلة الانتقالية.
السؤال الأهم هنا هو: هل بقاء الأسد في مصلحة سورية، أم العكس؟ والإجابة عن هذا التساؤل تحوي في طياتها الكثير من الانقسام أيضاً، تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى التساؤل المتعلق بمصير الأسد. ولا يقتصر الانقسام هنا على الأطراف الإقليمية والدولية، بل يشمل أيضاً الأطراف العربية ولو بدرجة متفاوتة. فهناك من يرى أن وجود الأسد يشكل ضمانة لاستمرار مؤسسات الدولة السورية، والنأي بها عن الانهيار، «خصوصاً» أن المعارضة السورية متفرقة وغير موحدة، وكذلك في ظل تنامي العنف وتزايد دور الجماعات المسلحة والإرهابية على الساحة السورية. ويستشهد البعض بما حصل في العراق بعد سقوط بغداد وكيف أدى حل الجيش العراقي إلى الفوضى التي عانى ولا يزال يعاني منها العراق، بل إنه دفع ثمنها مادياً وبشرياً وسياسياً.
لكن هذا التوجه يجافي الحقيقة، بل ينطوي على الكثير من المغالطات. إذ يمكن القول إن بقاء الأسد يشكل عامل فرقة بين مكونات الشعب السوري، بل سيؤدي وجوده إلى استمرار التأزم والاقتتال. إذ لا يمكن التصديق بأن يتعايش الشعب السوري، ولو إلى حين، مع من تسبَّب في تهجير أكثر من عشرة ملايين سوري، وقتل نحو 250 ألفاً، إضافة بطبيعة الحال إلى فتح أبواب سورية على مصراعيها أمام التدخل الأجنبي، سواءً كان ذلك تدخل «حزب الله» وإيران أو المساهمة في تنامي الجماعات الإرهابية، والتي نجح النظام في توظيفها في شكل جيد لمصلحته حتى أصبح الإرهاب الملف الأول على أجندة الأزمة السورية وبدأ يزاحم مسألة وقف الاقتتال وانتقال السلطة، وأخيراً التدخل العسكري الروسي. بل إن مستقبل سورية أصبح أكثر غموضاً في ظل وجود الأسد، حيث تآكلت قدرات الجيش السوري الذي يعتبر صمام الأمان لوحدة سورية واستقرارها، وأصبحت الميليشيات الطائفية التي تغذيها إيران و»حزب الله»، إضافة إلى التدخل الروسي، هي صاحبة الكلمة العليا في سورية.
إن قبول القوى الغربية ببقاء الأسد لا يختلف كثيراً في مضامينه عن تمسك حلفاء الأسد بوجوده على هرم السلطة في سورية الجريحة. القوى الغربية لديها تصوراتها حول الأزمة السورية منذ اليوم الأول لاندلاعها، ولا نحتاج إلى الكثير من العناء أو التمحيص الفكري حتى نصل إلى خلاصة مهمة وهي أن القوى الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، تعمل على تحقيق وضعية سياسية معينة في سورية، لا تخدم بالضرورة وحدة هذا القطر العربي وسيادته واستقلاله المهم في منظومتنا العربية.
استمرار المواقف الرمادية لهذه القوى حيال تطورات الأزمة السورية كان واضحاً ومريباً، ولا زال مستمراً حتى يومنا هذا. ومن هذا المنطلق لا نستبعد أن القبول ببقاء الأسد أخيراً يراد له أن يكون بمثابة مسمار جحا، امتداداً لسيناريوات معدَّة مسبقاً حول جعل سورية تدور في فلك عدم اليقين والتوتر والاحتقان السياسي، ما يُسهِل في مقبل الأيام صوغ مستقبلها السياسي وفقاً للتصورات والمخططات التي رسمتها هذه القوى الكبرى للمنطقة العربية، والتي بدأت ببغداد مروراً بدمشق وقد لا تقف عند هذا الحد، فكل جزء من الوطن العربي في خطر، نتيجة ما يحاك له من مؤامرات، وعامل الوقت قطعاً ليس في مصلحة الدول العربية.
الدول العربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتمعن الأمر وصوغ توافق عاجل حيال الأزمة السورية يرتكز إلى ضرورة حسم مسألة مصير الأسد، والتركيز بدلاً من ذلك على مستقبل سورية كدولة ودورها في المنطقة. فتجزئة سورية وتقسيمها، أو حتى بقاؤها تحت النفوذ الإيراني أو الروسي، سيشكل اختراقاً خطيراً في المشرق العربي ستدفع الدول العربية ثمنه باهظاً في المستقبل القريب. وعطفاً على المكانة الإستراتيجية التي تضطلع بها سورية في المنطقة وتماسها جغرافياً مع دول عربية ليست بمنأى عن التداعيات السلبية للأزمة السورية وما سيكون عليه مستقبل سورية، فإن التفاهمات السياسية التي تدور في أروقة صنع القرار الدولية لا تعني بأي حال من الأحوال أن الحلول التي توضع للأزمة السورية ستقود إلى الحل السياسي المنشود، بل قد تكون نواة لكثير من الأخطار المقبلة.
المصدر : الحياة