أثار تمسّك الرئيس الأميركي باراك أوباما بتنحّي الرئيس السوري بشار الأسد في السنوات الماضية اعتراض عدد من الضباط الكبار في هيئة الأركان المشتركة. إذ أظهر بموقفه هذا أنه أسير مفهوم الحرب الباردة عند مواجهته أي تطوّر يتعلّق بروسيا والصين، وأنه لم يعدّل موقفه من سوريا وأحداثها بحيث يصبح هدفه التخلص من “داعش”، وهو هدف روسيا والصين أيضاً.
ويعود الاعتراض المذكور الى صيف 2013 عندما وضع جهاز الاستخبارات في وزارة الدفاع (DIA) تقييماً سرّياً أفاد أن سقوط الأسد سيتسبّب بفوضى شاملة وسيمكِّن “المتطرّفين الجهاديين” من الاستيلاء على السلطة، وقد يخلق وضعاً شبيهاً بوضع ليبيا بعد قتل رئيسها معمر القذافي. لكن ذلك لم يثنِ أوباما عن متابعة تمويل المجموعات السورية المتمرّدة ومدّها بالأسلحة، وقامت بهذه المهمة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) بالتعاون مع حلفاء مثل بريطانيا والمملكة العربية السعودية وقطر ولاحقاً تركيا.
ولم يحقّق ذلك النتائج المرجوّة، إذ فتحت غالبية هذه الدول على حسابها وراحت تدعم كل من يقاتل الأسد بالمال والسلاح والتدريب والعبور إلى الأراضي السورية. هذا التقييم السرّي لم يلقَ ترحيباً من إدارة أوباما، فدفعته إلى الوراء، يقول الجنرال مايكل فلِنّ، مدير استخبارات الدفاع بين 2012 و2014، ويضيف: “شعرت بأنهم لا يريدون سماع الحقيقة”.
ويقول أحد مستشاري هيئة الأركان “إن موقفها كان رفض حلول الأصوليّين المتطرفين مكان الأسد، خلافاً لموقف الادارة، وإن تحدّيها مباشرة سياسة أوباما سيكون حظّه في النجاح صفراً. فقرّرت اتخاذ خطوات ضد المتطرّفين من دون المرور بقنوات سياسية، وذلك بتزويد المخابرات العسكرية في دول أخرى معلومات عدة، مع معرفتها أنها ستنقلها إلى الجيش السوري وستستعمل ضد العدو المشترك “جبهة النصرة” و”داعش”.
وهذا ما حصل. فالمانيا وإسرائيل وروسيا كانت على اتصال بجيش سوريا وقادرة على التأثير في قرارات الأسد وبواسطتها تم “التشارك في المعلومات الاستخبارية. ولم يكن الهدف الانحراف عن السياسات المُعلنة لأوباما، لكن تشارك الجيوش المعلومات في دول عدة يفيد.
وقد بدا واضحاً أن الأسد يحتاج إلى معلومات وإلى نصائح عملانية، وإذا توافرت له فإن القتال ضد الارهاب الإسلامي قد يزداد. فضلاً عن أن أوباما لا يعرف ماذا تفعل الهيئة المشتركة للأركان في بلاده في كل حال. وهذا يسري أيضاً على رؤساء أميركا كلهم. هكذا بدأ التعاون الاستخباري غير المباشر بين أميركا والأسد، ولم يحصل يوماً اتصال مباشر بينه وبين “هيئة الأركان”. وقد أرفقت المعلومات بدراسة أميركية معمّقة عن مستقبل سوريا على المدى البعيد. ولم يكن في هذا العمل أي نوع من التواطؤ على أوباما للمحافظة على الأسد.
لكن في هذه الأثناء كان التعاون بين الاستخبارات الأميركية (CIA) والتنظيمات التي تحارب الأسد مستمرّاً، فتدفّقت الأسلحة عليها، وكان مصدرها في البداية مستودعات الجيش الليبي بعد سقوط نظام القذافي. ولم يكن أحد داخل المؤسسة الأميركية قادراً على منع ذلك لأنه كان تنفيذاً لسياسة أوباما.
طبعاً أفادت معلومات “البنتاغون” نظام الأسد كثيراً وخصوصاً بعدما بدا أن المساعدة الاستخبارية للمعارضة المعتدلة لم تكن ناجحة. فمعظمها كان يتدرّب ثم يأخذ الأسلحة ويعطيها للمتشددين أو يشلّحونه إياها. وطبعاً بقي الضباط الكبار في الأركان في مواقعهم، إذ لم يعارضوا علناً سياسة رئيسهم باستثناء واحد منهم هو الجنرال مايكل فلِنّ الذي استقال وجاهر بمعارضته عدم تعاون ادارة بلاده مع روسيا في محاربة الارهاب والمتطرّفين الإسلاميين في سوريا.
من أين هذه المعلومات؟
كتبها في مجلة “النيويوركر” الأميركية الكاتب البارز سيمور هورش المعروف بميله إلى الأسد. وهي جزء من تحليل إخباري معلوماتي أوسع وأشمل. لكنني نشرت جزءاً مهماً منها فقط لأطرح تساؤلات جدية لم تكن ترد في أذهان كثيرين، وأبرزها: هل ينفّذ ضباط كبار سياسة مخالفة ومناهضة لسياسة رئيس دولتهم ذات النظام الرئاسي؟ هل يُعقل أن لا يعرف أوباما بذلك؟ وهل يُعقل أيضاً أن لا يعرف بـ”الصراع” في الموضوع السوري بين الـ CIA والـ DIA؟ وهل ما فعله هؤلاء الضباط قانوني أم يستوجب المحاسبة؟
بعد كل ذلك يجب ألا يستغرب اللبنانيّون والعرب انفراد كبار الأنظمة الحاكمة إياهم بتنفيذ سياسات تختلف عن سياساتها واختلافهم مع بعضهم عملياً.
المصدر : النهار اللبنانية