مقالات

مكرم رباح – مضايا .. التجويع أداة حرب بيد نظام الأسد

“علمنا التاريخ أن الإنسان يبدع في فن إلحاق الضرر بإخوانه، وخاصة في الحروب الأهلية، حيث يتفاقم العنف ويصل ذروته، لأن المجتمعات تميل إلى ارتكاب أبشع الجرائم لدوافع عرقية أو دينية أو إيدولوجية. ويمكن للأحداث الرهيبة التي وقعت في سوريا منذ أربعة أعوام، والتي قد تقع مستقبلاً، أن تكون شاهدًا على هذه الحقيقة.

إن حصار بلدة صغيرة في منطقة الزبداني، التي تقع شمال غربي مدينة دمشق، تذكرنا أن هناك طرقاً وأساليب أخرى للقتل. حيث فرض النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون وحزب الله اللبناني، حصاراً مطبقاً على بلدة “مضايا”، التي ترتفع 1400م عن مستوى سطح البحر.

ويتولى حزب الله “مهمة التحرير المزعومة” لمنطقة الزبداني بحجة “وجود عناصر إرهابية” فيها، منذ يوليو/ تموز 2015. ولم يتردد أمينه العام حسن نصر الله، في تقديس حربه في سوريا، حيث قال في كلمة له “طريق القدس يمر من القلمون والزبداني والحسكة وحمص وحلب”. لكن حماسته وحماسة جنوده، الذين كانوا يعتقدون أن مهمتهم ستكون سهلة، ستتلاشى لاحقاً، بعد الاشتباك مع الثوار السوريين في المنطقة.

وبعد أن فشل هؤلاء المحتلين الأجانب في تحقيق أهدافهم، تحولوا إلى قوة عسكرية، حاصرت بلدات عدة في المنطقة، بينها مضايا. وكان يهدفون، لإخضاع تلك البلدات، وتركيع المدافعين عنها، إما عن طريق التجويع أو بالقوة العسكرية. لكن قيام الثوار السوريين في إدلب بالهجوم على بلدتي؛ الفوعة وكفريا الشيعيتين بالمدينة، دفع حزب الله لأن يعيد حساباته حول حصاره لبلدات منطقة الزبداني.

لقد استخدم التجويع كسلاح سياسي وعسكري على مدى التاريخ. حيث أن هتلر وستالين، استخداما التجويع كسلاح، من أجل إبادة الملايين من الناس في بولونيا وأوكرانيا، خلال الحرب العالمية الثانية. وأثبت هذان الديكتاتوران، أن التجويع أو ما يسمى تقنياً بـ “القتل تجويعاً”، سلاح فعّال من أجل قتل الملايين من الناس، الذين لا يستحقون الحياة في نظرهم.

واستخدم سلاح التجويع في لبنان التي لا تبعد عن الحدود السورية، خلال الحرب الأهلية، التي وقعت بين أعوام 1975 – 1990. حيث حاصرت الجبهة اللبنانية (تحالف عدة أحزاب يمينية أسس سنة 1976) المخيم الفلسطيني في تل زعتر بلبنان. والغريب أن النظام السوري برئاسة حافظ الأسد دعم هذا الحصار آنذاك. وتسبب هجوم مباغت في نهاية الحصار، بمقتل وتهجير جميع من كانوا بالمخيم.

بعد طرد قوات الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزية، القوات اللبنانية المارونية من جنوب لبنان عام 1983، حاصرت مدينة “دير القمر”، التي تعد أكبر المدن المسيحية في محافظة “جبل الشوف”، على مدى 100 يوم، وخضع للحصار أكثر من 20 ألف شخص بين مدنيين وعناصر مليشيات. وحاول كلا الطرفين استغلال الحصار لتحقيق مكاسب لصالحه آنذاك، حيث أرادت القوات الدرزية إظهار القوات اللبنانية على أنها تستخدم المدنيين كدروع بشرية. ومن ناحية ثانية أرادت القوات اللبنانية كسب الرأي العام العالمي عبر لفت الأنظار إلى تعرضهم للقتل دون هوادة على يد الدروز، والمعاناة التي يواجهها شعبها.

في نهاية المطاف، حدّت قوات الحزب الاشتراكي التقدمي من دخول المواد الغذائية إلى المدنية، الأمر الذي دفع المحاصرين إلى حافة الموت جوعًا.

وفي عام 1985، بدأت “حركة أمل” اللبنانية، التي كانت تتحرك باسم الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، بشن حروب ضد معارضي السوريين وحلفائهم في لبنان، وعرفت تلك الحرب فيما بعد بـ “حرب المخيمات”، التي استهدفت القضاء على نفوذ الزعيم الفسطيني، ياسر عرفات، وبقايا منظمة التحرير الفسلطينية في لبنان.

خلّفت تلك الحرب مئات القتلى من الطرفين، وخرجت قوات ياسر عرفات من مخيمات اللجوء من بيروت، بعد حصار مأساوي إنساني على يد حركة أمل.

وعلى الرغم من أنَّ الحصار لا يعدُ سلاحًا جديدًا يستخدم في الحروب، إلا أنَّ الوضع في مضايا مختلف. وبغض النظر عن الأمثلة التي ذكرناها سابقًا، فإنَّ حزب الله يحتل مساحات من الأراضي السورية، وهو جسم أجنبي، يتسبب بموت قسم من سكان سوريا جوعا بفرضه الحصار عليهم. وعلى الرغم من أنَّ المعارضة السورية تُتَّهم بأنها تبالغ في إظهار أوضاع الحصار التي تفرضها قوات النظام، إلا أنَّ الثابت لدينا، بحسب المراقبين ومنظمات الإغاثة الإنسانية أنَّ الأوضاع التي تعيشها مضايا غير إنسانية.

والأخطر من هذا كله، أنَّ حزب الله باستمراره في حصار هذه المدينة السنية، سيضع كل شيعة لبنان في مأزق. إن حزب الله إن لم يكن الآن ففي المستقبل، عندما تتغير الأوضاع، سيعي التكلفة الباهظة التي دفعها من أجل إنعاش حزب البعث ونظام الأسد في سوريا. ورأينا أنَّ مجموعة من الناشطين الشيعة في لبنان، أصدروا بيانًا أدانوا فيه أوضاع الحصار والإبادة الجارية في سوريا، وطالبوا من خلاله بسحب كافة المقاتلين الشيعة الذين يقاتلون في صف النظام.

وعلينا تذكير حزب الله وأولئك الذي يناصروه، إيمانا منهم بأن قوة الحزب العسكرية أعادت لهم اعتبارهم في يوم من الأيام، بما عاشته لبنان إبان الحرب الأهلية، وما آلت إليه من نتائج مريرة.

ليستمر حزب الله والأسد في الاختباء وراء شماعة محاربة الإرهاب، إلا أنَّ الإرهابي الحقيقي من يمنع الأطفال والمدنيين من الوصول إلى أبسط حقوقهم، وهي المأكل والمشرب والعيش بأمان”.

المصدر : الاناضول

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى