مقالات

خافيير سولانا – هل يمكن مد جسور التصالح بين ضفتي الخليج العربي؟

تصاعدت التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا الشهر، مع اقتحام المتظاهرين للسفارة السعودية في طهران على خلفية إعدام رجل دين شيعي في المملكة، وبالطبع، فإن هذا الحدث الأخير ليس سوى أحدث مظهر من مظاهر التنافس عميق الجذور بين قوتي الشرق الأوسط، ولكن في الوقت الذي تحكم فيه العداوة المتبادلة علاقة السعودية مع إيران منذ فترة طويلة، إلا أنها ليست حالة مستمرة، كما تُصوَّر في بعض الأحيان؛ فنظرًا لمصالح الدولتين المشتركة، لا تبدو العودة إلى مد جسور التعاون فكرة مستحيلة، رغم الصعوبات الجسيمة التي تعتري تنفيذ ذلك.

حالة الانقسام الطائفي كانت الحجر الأساس في تأسيس هوية البلدين الوطنية؛ فالمملكة العربية السعودية هي القوة السنية الرائدة في العالم العربي، في حين تضم إيران الأغلبية الشيعية، إلا أن خطوط الصدع الطائفية لم تشكل تاريخيًا عنصر المواجهة الدائمة في المنطقة، حيث لم تتحول بلاد فارس إلى الاعتراف بالتشيّع كدين رسمي للبلاد حتى عام 1501 على يد السلالة الصفوية، التي ميّزت نفسها من خلال التشيّع عن جيرانها العثمانيين السنيين، الذين كانوا يحتلون جزءًا من أرض فارس، وخلال القرنين اللاحقين، واجهت بلاد فارس الإمبراطورية العثمانية، قلب الخلافة السنية، سعيًا لاغتنام التفوق الإقليمي.

أما المملكة العربية السعودية، فقد اعتنقت حين تأسيسها في عام 1932 المذهب السني الوهابي كعقيدة رسمية للبلاد، ولكن على الرغم من ذلك، أسست علاقات دبلوماسية مع إيران، وفي ستينيات وأوائل سبعينيات القرن المنصرم، تعمق تعاون البلدين الأمني والسياسي جرّاء بزوغ مصلحتهما المشتركة في مواجهة الحركات المتطرفة التي تهدد ملكياتهما، حيث تعاونتا للحد من تقدم الشيوعية السوفيتيية في العالم العربي، وبرز البلدان كحليفين رئيسيين للغرب خلال الحرب الباردة، وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

في أواخر سبعينيات القرن الماضي اندلعت معركة  الهويات الطائفية في المنطقة، حيث باشرت المملكة العربية السعودية، مدعومة بالمكاسب المالية الجمة الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط، بتوسيع جهودها الأمنية من خلال تصدير الوهابية، وأضحت تنظر إلى إيران باعتبارها تهديدًا مباشرًا بشكل خاص بعد عام 1979، عندما أطاحت الثورة الإسلامية بحكم الشاه وأعلن النظام الإيراني الجديد نفسه كزعيم للشيعة في جميع أنحاء العالم، واستجابة لدعوة إيران لتحرير جميع الشيعة، ضاعفت السعودية جهودها في نشر الوهابية؛ مما أدى إلى تعميق الصراع بين القوتين.

رغم أن الصراع السعودي – الإيراني لم ينعكس بصورة مواجهة مباشرة ما بين البلدين، إلا أنه تمخض عن العديد من حروب الوكالة، بدءًا من الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، وفي الآونة الأخيرة، صاغ الصراع ما بين البلدين مسار الحرب الأهلية في سوريا، التي دعمت فيها إيران نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يمثل الطائفة العلوية من الإسلام الشيعي، في حين دعم السعوديون القوى السنية المناهضة للأسد؛ وفي اليمن، نفّذ ائتلاف الدول العربية بقيادة سعودية ضربات جوية لصد المتمردين الحوثييين، بينما عمدت إيران لدعم الشيعة الزيديين الذين يقاتلون الحكومة السنية، وهو الصراع الذي أودى حتى الآن بحياة حوالي 6000 شخصًا على الأقل.

ولكن، كما كان عليه الأمر في الماضي، تبدو المواجهة الأحدث بين القوتين متصلة بالتطورات المحلية الجارية على قدم وساق في الداخل السعودي والإيراني؛ فكلا البلدين تشهدان حاليًا تحولات سياسية واقتصادية هامة قد تتركهما ضعيفتان تجاه التغيرات الخارجية.

على الجانب الأول، تستعد إيران اليوم لانتخاب برلمان ومجلس خبراء قيادة جديدان في فبراير القادم، وفي خضم ذلك، تبدو البلاد في حالة اقتصادية يرثى لها، حيث بلغت نسبة البطالة 11.4% في عام 2014، وترتفع هذه النسبة إلى لتلامس مستويات هائلة ما بين الشباب على وجه الخصوص، وعلى الرغم من أن الاتفاق الدولي حول برنامج إيران النووي أسفر اليوم عن رفع العقوبات، إلا أن الفوائد الاقتصادية لذلك لم تنعكس بنطاق واسع محليًا حتى الآن.

بطبيعة الحال، إذا ما استمرت جهود الرئيس حسن روحاني لفتح إيران على العالم الخارجي، فإن تلك الفوائد ستنعكس في نهاية المطاف لتشعر بها الطبقة الوسطى الإيرانية على نطاق واسع، ولكن لهذا السبب على وجه التحديد، تبدو أغلبية العناصر المحافظة داخل الحكومة الإيرانية متشككة بعمق من جدول روحاني الإصلاحي، جرّاء توجسها من البزوغ المحتمل لمجتمع تعددي أكثر دنيوية، الأمر الذي يُنظر إليه كتهديد داهم على بقاء النظام، من وجهة نظر المحافظين.

في الواقع، وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، قد صدّق على الاتفاق النووي في العام الماضي، إلا أنه أعلن مرارًا وتكرارًا عدم ثقته بالولايات المتحدة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون، والذي يضم ستة علماء دينين يعينهم المرشد الأعلى وستة قضاة يُرشحون من قِبل السلطة القضائية وموافق عليهم من قِبل البرلمان، رفض حتى  الآن 99% من المرشحين الإصلاحيين الذين تقدموا بأوراقهم للانتخابات المقبلة، ومن هذا المنطلق، يبدو أن المعارضة البرلمانية لإصلاحات روحاني ستطرد وتتكثف.

على الجهة المقابلة، تبدو المملكة العربية السعودية على شفا نقطة تحول أيضًا؛ ففي العام الماضي، صعد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى عرش المملكة إبان وفاة الملك عبد الله، الذي حكم لعقد من الزمان، ومنذ ذلك الحين، عمد سلمان لتغيير تسلسل ولاية عهد المملكة من خلال تعيينه للأمير محمد بن نايف كولي للعهد، ولنجله، الأمير محمد بن سلمان، كنائب لولي العهد، وهذه التغييرات الجارية على قمة الهرم السعودي تتزامن مع التدهور الاقتصادي الحاد الذي تشهده المملكة والناجم عن انهيار أسعار النفط العالمية، حيث استنفدت السعودية إيرادات ميزانيتها لدرجة أن العجز المالي وصل إلى حدود الـ15% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي.

ضمن هذا السياق غير المستقر، يبدو بأن قادة إيران والمملكة العربية السعودية يعتقدون بأن استمرار المواجهة ستساعدهم في الحفاظ على سلطتهم، سيّما من خلال تعزيز الفكرة القائلة بأن المزيد من التغيير، خصوصًا في شكل زيادة الانفتاح الاقتصادي أو السياسي، سيكون خطيرًا من منظار الاحتفاظ بالسلطة.

ولهذا، فإن بناء علاقات ودية، أو فعّالة على أقل تقدير، بين قوتي الشرق الأوسط، يبدو احتمالًا ضئيلًا، على الأقل ضمن المستقبل المنظور، ولكن يمكن اتخاذ خطوات لتمنع، بالحد الأدنى، من تصاعد التوتر في العلاقة، وإدانة خامنئي للهجوم على السفارة السعودية، الذي وصفه بأنه ضار للوطن وللإسلام، تبدو خطوة جديرة بالملاحظة في هذا السياق.

ومع ذلك، من غير المرجح أن تساعد هذه الخطوات الخجولة على توصل إيران والسعودية لاتفاق بشأن سوريا في الجولة القادمة من المحادثات الدولية، ولكن إيجاد صيغة اتفاق بغية إنهاء الحرب في اليمن، التي لا تزال في مرحلة أقل تعقيدًا من الحرب السورية وتنطوي على مصالح دولية وإقليمية أضعف، يبقى أمرًا ممكنًا، سيّما في ضوء المتاعب الاقتصادية التي تجابهها السعودية، ومفتاح الحل للأزمة اليمنية يتمثل بالاتفاق على وقف إطلاق النار، تمهيدًا لوضع حل طويل الأجل للصراع اليمني.

في الوقت الذي تتنامى فيه الهوة ما بين إيران والسعودية في عمقها، يمكن لحالات التعاون العملي في مسائل محددة، كمسألة اليمن، أن تساعد على جسر تلك الهوة، وهذا الأمر، إن حصل، من شأنه أن يعود بالفائدة على المنطقة بأسرها.

المصدر :  بروجيكت سنديكيت ، ترجمة نون بوست 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى