بعد إعلان السعودية، الخميس الماضي، استعدادها لإرسال قوات برية «لمحاربة الجماعات الإرهابية وقتال تنظيم داعش في سوريا»، وما تبعها، في اليوم التالي، من تعهد رسمي بحريني بالمساهمة أيضا بقوات تعمل تحت مظلة «التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب» و»بالتنسيق مع السعوديين»، وآخر إماراتي، أمس الأحد، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، معتبرا أن شيئين ينقصان التصدي لتنظيم «الدولة الإسلامية»: «تحرّك سياسي حقيقي في بغداد يضم السنّة ولا يهمشهم، وكذلك ضرورة دعم الجهود بقوات برّية ضد داعش».
ما يلفت النظر في تصريحي البحرين والإمارات هو ربط إمكان تدخلهما العسكري في سوريا بقرار من التحالف الدولي، وبالقيادة الأمريكية «لهذا الجهد»، وهو ما يبعد هذا التوجّه الجديد عن النموذج الحاصل في اليمن، حيث تقود المملكة العربية السعودية التحالف، كما أنه يثير التساؤل عن إمكان ترجمة هذه التصريحات إلى تحرّك حقيقي على الأرض ما دام مرتبطاً بقرار أمريكي تحديداً وليس نابعاً من قرار الدول المعنيّة بهذا التحرّك.
ربط الدول الخليجية الثلاث تعهدها بإرسال قوّات إلى سوريا بقرار أمريكي (وأوروبي بدرجة أقلّ) منطقيّ لأنها تحتاج إلى تغطية أمريكية وأوروبية لحدث من هذا الحجم لا يدور على حدودها وتخومها المباشرة (كما هو الحال في اليمن) ما يجعلها محصنة جوّياً وأرضياً من استهدافها بالآلة العسكرية الروسية التي تضرب في كل أنحاء سوريا.
التدخل، لو حصل، سيكون خطوة متناسبة مع النقلة الكبرى التي نقلتها موسكو بفرض انتدابها العسكري (والسياسي) على سوريا، فهذا الانتداب (والأولى أن نقول: الاحتلال) قلب ميزان القوى لصالح النظام السوري وحلفائه من الإيرانيين والميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية.
ربط التدخل العربي في سوريا بمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» يجعله مقبولاً عالمياً، فلا أحد، يمكنه الاعتراض (نظريا على الأقلّ) على هذا الهدف، باستثناء نظام بشار الأسد الذي هدّد وزير خارجيته من يتدخّل في سوريا (باستثناء روسيا وإيران وإسرائيل طبعا) بالعودة إلى بلاده في «صناديق خشبية»ّ!
كما أن التدخّل العربي سيجد مكاناً تحت مظلة الأمم المتحدة وقراراتها، وهو أكثر منطقية بكثير من تدخّل دول من خارج المنطقة تستبيح أرجاء سوريا بالقصف، فالمنظومة الخليجية، والتحالف العربي الذي شكلته، هم الأولى بالمشاركة، فالمعارك تدور، عملياً، على مستقبل أبنائهم، ونتائجها ستحدد، على الأغلب، شكل المنطقة في المئة سنة المقبلة.
غير أن السؤال المهم هنا هو: هل ترغب إدارة أوباما، حقّاً، في هكذا قرار؟
ما تقوله الوقائع والتصريحات أن النزاع مع تنظيم «الدولة الإسلامية» هو النقطة المركزية على جدول أعمال واشنطن العسكرية في المنطقة، لكنّها، فيما يخص الوضع السوري، حسمت أمر بقاء نظام الأسد، وأعطت مقاولة «الحل السياسي» لروسيا، وما يجري على الأرض السورية، كما تسرّب من تصريحات جون كيري الأخيرة، ليس إلا تطبيقاً لهذا التحالف الأمريكي ـ الروسيّ غير المعلن.
التدخّل العربيّ، بهذا المعنى، يحتاج حزماً كبيراً من جانب دول الخليج وتركيا (وهما الطرفان الأكثر تضرّراً من نتائج الاحتلال الروسي ـ الإيراني لسوريا) لفرض حيثيات هذا القرار على واشنطن بالفعل، كما حصل في اليمن، وليس انتظاراً لموافقة أمريكية لن تجيء.
إذا لم يحصل هذا الأمر فإن العواقب الجيوسياسية لن تقتصر على سوريا بل ستعرّض المنظومتين العربية والتركية لأخطار وجودية غير مسبوقة.
المصدر : القدس العربي