لسوء حظ قدري جميل، فإن مساعيه في الوصول إلى أرفع منصب يتسلمه «شيوعي» في سورية لم تتكلل بالنجاح، إلا حين أصبح النظام لا يبالي بأي نقد. فممارساته فاقت كل أشكال التنكيل الاستعماري بالشعب. لذا قرر جميل الذهاب إلى موسكو، وربما يكون الأمر منسقاً مع النظام وروسيا معاً! لم يذهب إلى باريس ولا اسطنبول ولا غازي عنتاب ولا الرياض ولا الدوحة.
قرر الذهاب إلى موسكو والاعتكاف فيها. طبعاً لم يعلن الرجل أنه معارضٌ للنظام، ولا ساعٍ إلى إسقاطه، ولكنه يريد تغيير النظام أيضاً، وفق رغبة النظام ذاته بالتغيير منذ 2000. ولو كان حقاً معارضاً، فالأكيد أنه لن يختار موسكو، فالأخيرة كانت ستسلمه فوراً للنظام لمحاكمته وتصفيته. فروسيا حامية للنظام في المؤسسات الدولية منذ 2011، وتدخلت عسكرياً بطلب منه منذ أواخر أيلول (سبتمبر) 2015، ولولا تدخلها لسقط في نهاية 2015.
روسيا، وكعادة الدول الامبريالية، لديها أتباع وأدوات للاستخدام في الدول الكولونيالية. اختار قدري أن يكون من رعاياها، وبالمثل هيثم مناع الذي توهم أن الروس سيضعونه رئيساً للحكومة السورية وربما رئيساً لسورية. وسيظل ساعياً أبديّاً كسيزيف لهذا المنصب، وصالح مسلم وآخرين. بل يمكننا القول إن هيئة التنسيق بـ «زعمائها» الحاليين جميعهم من أتباع بوتين، ولكنّ قدري ومناع وصالح مسلم ورندة قسيس ولفيفاً يشبههم قرروا أن القدر لن يضحك لهم إلا عبر شمس موسكو.
المهم هنا أن روسيا بيدها بيادق للضغط على المعارضة السورية، وعلى الشعب السوري ذاته، وربما بواسطتهم تتوهم أنها ستحتل سورية وتفرض وصاية عليها.
في تراث الشيوعيين تبعية تاريخية للدولة السوفياتية، بل كانوا يحتكمون إليها حينما تتعاظم مشكلاتهم، وهناك إشاعات عن إعانات مالية كانت تصلهم منها، وإن ببخلٍ شديد. ويبدو أن مفهوم التبعية لدى قدري وأمثاله، لم توقفه تبدلات روسيا ذاتها من الاشتراكية إلى المافياوية الامبريالية مع بوتين. وكما قدري، هناك متشيعون لبوتين في اليسار العربي، ويتوهم هؤلاء النادرو الذكاء أن موسكو وطهران و «حزب الله» والنظام السوري، وهم أنفسهم، يمكن أن يشكلوا حلفاً وطنياً أممياً ضد التدهور العربي العام، وضد الهجوم الأميركي والأوروبي المنفلت في شكل مطلق.
اليسار النظامي لا يعنيه الشعب، فحين يثور تصبح ثورته مؤامرة. كيف لا، والنظام السوري وطني واشتراكي ومعادٍ للامبريالية!؟ هؤلاء يتجاهلون أن هذا النظام ذاته، لم يترك طريقة لتسويق نفسه مع أميركا إلا فعلها، أقله منذ التسعينات: حينما شارك القوات الأميركية الحرب ضد العراق بعدما غزا صدام حسين الكويت، وقبل ذلك، بالوقوف ضد صدام ومع إيران، ولاحقاً حينما دخل لبنان للإجهاز على المقاومة الفلسطينية واللبنانية وأعاد الحياة للقوى الطائفية التي كانت تنهار. وهناك مئات الأمثلة حول هذا الموضوع بالتحديد، تشمل التعامل الاستخباراتي الواسع!
اليسار النظامي يكذب هنا، ويتذاكى على نفسه فقط، فغالبية الشعوب العربية أصبحت ترى بأم العين سياسات روسيا التدميرية في سورية وسياسات «حزب الله» وإيران الطائفية، وبالتالي هذا اليسار يراقب هذه السياسات وهي تحاول تصفية الثـورة السوريـة وإعـادة تـأهيـل النظام على جثث ثوار سورية. هذا يسار لا يمتلك من ذاته شيئاً، وهو منساق إلى مـواقف دول طائفية أو مافياوية وضد الشعوب بالكامل.
الممانعة هذه ستنتهي حينما يبدأ الشعب بتحقيق أهداف ثورته، وثمة أسباب كثيرة تقول إن «جماعة» روسيا لن ينتظروا طويلاً ليحاكموا على دورهم في تأخير وصول السوريين إلى أهدافهم.
المصدر : الحياة