مقالات

نجاتي طيارة – ليس لدى السوريين ما يخسرونه

بينما تتفاقم محنة النازحين واللاجئين السوريين على الحدود التركية والأردنية، وتتصاعد أعداد الضحايا في المدن والأرياف السورية، بفعل النيران متعددة الأطراف، والمتوّجة بالقصف الجحيمي لأسطول القاذفات الروسية، تبدو لعبة الأمم متوترةً على أشدها حول سورية، وهي توشك على التحول إلى حرب إقليمية أو دولية، إن لم تكن قد بدأت بالفعل، وإن أخذت اسماء وصوراً جديدة إلى هذا الحد أو ذاك.

وإذا كان اللاعب الإيراني مبكّراً ومقنعاً عبر أذرعه العديدة، فقد كان الانضمام المعلن للاعب الروسي، منذ أشهر، مفاجئا ومتفاقما بقواعده العسكرية وطيرانه الكثيف. وفي حين يقود اللاعب الأميركي تحالفاً دولياً عريضاً، يبدو كالمتفرج أو المتمرّن في عملياته ضد “الدولة الإسلامية”، تتصدّى تركيا لمناوشة الطيران الروسي، وتقصف القوات الكردية الطامحة إلى التقدم، كما تنسق مع الاستعداد السعودي للتدخل في سورية. أما الدور الإسرائيلي فمن نافل القول الإشارة إليه، وهو متوفر في عملياته المحدودة والخاطفة بين فترة وأخرى، وفي تنسيقه الجديد والرفيع مع اللاعب الروسي.

إلى ذلك، يشهد الميدان العسكري السوري تطورات متسارعة، ليس من البعيد تفجرها، ما دام اللاعبون الإقليميون باحثين عن أدوار متجددة، ودروس التاريخ القريب غير بعيدة عنهم، خصوصا في العراق وليبيا واليمن. وفي إطار ذلك، يمكن تلمس الآفاق الجديدة للتنسيق بين تركيا والسعودية، على ضوء إدراك كل منهما مصالحه في الوقوف ضد طموحات الهيمنة الروسية والإيرانية لملء الفراغ، في ظل التراجع الأميركي والغربي عن المنطقة.

أما الميدان السياسي، فيبدو أبعد ما يكون عن ذلك، إذ إن أعضاء “المجموعة الدولية لدعم سورية” قرّروا في مؤتمر ميونخ، 11- 12 فبراير/شباط الجاري، تطبيق دخول المساعدات الإنسانية خلال أسبوع إلى المناطق المحاصرة، وتشكيل قوة مهام من المجموعة تضع، خلال أسبوع، سبل فرض وقف الأعمال العدائية على امتداد سورية. كما التزم أعضاء المجموعة بالإجماع بأن يعملوا على التسهيل الفوري للتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي تم إقراره بالإجماع في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015.
وبين ذلك الإعلان السياسي ووقائع التوترات العسكرية، برزت تحذيرات رئيس الوزراء

الروسي، فلاديمير ميدفيدف، من نشوب حرب عالمية جديدة في سورية، إذا لم يتم التوصل إلى حل فيها، وهو تحذير حمل ابتزازاً شديد الوضوح، وفق التفسير الروسي لقرار ميونخ، والذي يوضح أن وقف إطلاق النار، أو ما سميت العمليات العدائية، لن يشمل الجماعات الإرهابية، والمحددة بجبهة النصرة والدولة الإسلامية، وميدانياً لن يشمل كل من يحمل السلاح ضد نظام الأسد، وذلك ما قامت وتقوم القاذفات الروسية باستهدافه مع حاضنته الاجتماعية بطبيعة الحال، الأمر الذي تسبب، أخيراً، في أكبر نزوحات المدنيين من شمالي حلب، فضلا عن المجازر المروعة في عدة مناطق من سورية، شملت المستشفيات، ما حدا بمنظمة العفو الدولية إلى أن تصفها بجرائم حرب.

ونددت إيران ببوادر التدخل العسكري السعودي في سورية، معتبرة ذلك تهديداً خطيراً وإنذاراً بتوترٍ، لن تسمح بالسكوت عنه، في حين يستمر دعمها المعروف الحوثيين في اليمن، وتقف خلف حربهم ضد السعودية وحلفائها هناك.

وفي ظل هذه المفارقات، وغيرها من التوترات المستمرة، سبق للمعارضة السورية أن شاركت بوفدها الموحد في مؤتمر جنيف 3، بعد أن تلقت وعوداً وضمانات بحل المسائل الإنسانية، وما تشمله من فك الحصار وإدخال المساعدات والأغذية والإفراج عن المعتقلين، وذلك قبل البدء بمفاوضات الحل السياسي، لكن القصف الروسي المركز خلال أيام انعقاد المؤتمر دفعها إلى مناقشة الانسحاب منه، قبل أن يستبق المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، فشل المؤتمر، ويعلن تعليق أعماله إلى 25 فبراير/شباط الجاري.

وبين وعود ميونخ وترقب المسار التفاوضي، تستمر روسيا وحلفاؤها في وضع العراقيل أمام الحل السياسي، بذريعة الحرب ضد الإرهاب ومنظماته، ويصبح الإرهاب وظيفة يستفاد من استثمارها مجدداً، كما سبق للنظام نفسه توظيفها ضد مطالب الشعب السوري في الإصلاح والتغيير مع بدء ثورته السلمية. وقد أتاح الملعب السوري تداول هذه الوظيفة التي لا يمكن أن يحتكرها طرف واحد، فها هي تركيا تلجأ إليها لمنع الامتداد الكردي وحماية مصالحها ضد إرهاب حزب العمال الكردي ولواحقه، كما أن السعودية توشك على التدخل في سورية ضد “الدولة الإسلامية”، وقد أرسلت طواقم كاملة من طائراتها المقاتلة إلى قاعدة إنجريلك التركية، على الرغم من أنها ربطت ذلك بموافقة التحالف الدولي على ذلك.

تجري لعبة الأمم الإقليمية والدولية هذه على الأرض السورية، وتهدر دماء السوريين، وها هي المفارقة بين سياساتها والميدان توشك على الحسم، أو الانفجار في الفترة المقبلة، وسيكون السوريون أمام نتائجها القريبة، وليس لديهم ما يخسرونه، بعد أن خسروا الكثير. لكن التضحيات الكبيرة التي قدموها في السنوات الماضية تتطلب منهم مزيداً من الصبر والتماسك، ودعم معارضتهم الموحدة أخيراً، والتي قدم وفدها المفاوض أداءً لائقاً في الجولة الماضية من مباحثات جنيف. وعليه، يمكن تعليق بعض الأمل.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى