الاحتقان بين انقرة وموسكو في الشمال السوري على أشده وبات ينطوي على احتمال حصول صدام عسكري. المنطقة الآمنة التي تتطلع تركيا الى انشائها تكاد تصير في خبر كان. السجال بين اردوغان وادارة اوباما في شأن دعم الاكراد بلغ حداً يهدد العلاقة “المميزة” بين البلدين.
ما تعتبره انقرة خطاً أحمر في استراتجيتها الامنية، تخترقه واشنطن كل ساعة باستثماراتها غير المحدودة في القضية الكردية من العراق الى سوريا. فماذا عن الظهير الآمن الاخير لتركيا، أي الاطلسي؟ صفة الحليف، لا يمكن الأطلسي ان ينفيها عن صاحبة ثاني أكبر جيش في التحالف… ولكن ألا تزال تركيا تتمتع بالمنزلة نفسها التي كان يوليها اياها الحلف الغربي؟
تركيا في الميزان الاطلسي السابق، كانت النموذج المعتدل والتقدمي والديموقراطي الذي يسعى الغرب الى تعميمه في الشرق الاسلامي، وكانت الحاجز الجنوبي لكبح التمدد السوفياتي نحو المياه الدافئة في المتوسط ، ثم صارت فك الكماشة لتطويق أي طموح روسي يريد وراثة دور موسكو السوفياتية والامبراطورية، كما كانت السد الاخير لكبح أي جنوح للتطرف الاسلامي غرباً.
الميزان الاطلسي تغير وتركيا تغيرت والحاجة الاطلسية لتركيا أيضاً تغيّرت:
اولا: في السابق كانت تركيا مكلفة أطلسياً تطويق روسيا. اليوم بعدما خيّم الجيش الروسي في سوريا، بات الروس يطوقون تركيا نفسها من الشمال والجنوب، من البحر الاحمر والبحر الابيض. الاطلسي لا يحبذ التورط في مواجهة مفتوحة مع روسيا في خضم لعبة التوافق والتناحر معا الجارية بينهما على الارض السورية، هو لا ينفك يدعو انقرة الى التهدئة لان لديه الكثير من الاوراق الفاعلة لحشر موسكو في زوايا أخرى في حال الضرورة. أما العسكرة والسلاح فهما آخر الدواء.
ثانيا: القضية الكردية خرجت أو اخرجت من غياهب النسيان والتجاهل، حجزت مكاناً لها في اهتمامات الرأي العام الغربي وصارت لها أولويتها في الاستراتيجيات السياسية والجيوسياسية الغربية للشرق الاوسط الجديد وخرائطه وترتيباته المقبلة. وفي المواجهة المفتوحة حالياً بين انقرة والاكراد لم يفعل لا الاطلسي ولا قائدته ما يوحي بتفضيلهما حليفتهما السابقة على حلفائهما الحاليين.
ثالثا: جرت قضية اللاجئين الجدد الى أوروبا على عكس ما تشتهي السفن التركية، فبعدما كانت مادة ابتزاز تركية لأوروبا واتحادها ماديا وسياسيا، تحوّلت عبئاً كبيراً على القارة القديمة يهدد وحدتها ونسيجها، الأمر الذي يدفع بروكسيل وحلفاءها الفعليين، وفي مقدمهم الاطلسي، الى محاسبة او حتى معاقبة من يقف وراء السبب.
رابعا: لم تعد تركيا وحدها، بعد اسرائيل، ركيزة للغرب في المنطقة . كل المعطيات السابقة تبدلت مع دخول ايران المحفل الدولي عقب الاتفاق النووي.
تبدلات جوهرية تتطلب من انقرة التكيف لا العناد.
المصدر : النهار