صدرت في الأيام الماضية مجموعة مواقف أبرزت أهمية وحدة سوريا ومعارضة تقسيمها. ورد ذلك في بيان وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي الذين أكدوا مواقفهم الثابتة في الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الاقليمية، فيما أعلن رئيس الحكومة التركية أحمد داود اوغلو اثر زيارة لطهران ان تركيا وايران ضد تقسيم سوريا.
وكان الرئيس الايراني حسن روحاني أعلن نهاية الاسبوع الماضي ان بلاده تدافع كما قال عن وحدة سوريا وسيادة الدولة على كامل أراضيها، معبرا عن وجود خلاف مع روسيا حول فدرلة سوريا. هذه المواقف تعاقبت على أثر موقف نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف “ان موسكو تأمل أن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية الى فكرة انشاء جمهورية فيديرالية، معتبرا ان على السوريين وضع معايير محددة للهيكلية السياسية في سوريا مستقبلا تعتمد على الحفاظ على وحدة اراضي البلاد بما في ذلك امكان انشاء جمهورية فيديرالية”.
أوحت الردود ان الاقتراح الروسي قد يكون ممكنا او جديا او بالون اختبار. والفكرة كما تقول مصادر معنية ليست بعيدة من بعض دوائر القرار في عدد من العواصم المؤثرة والمعنية بالوضع في سوريا، انطلاقا من ان الفدرلة أحد السيناريوات الذي يستمر يرد من ضمن الحلول المفترضة للوضع السوري، وهو سيناريو لا يعني التقسيم في ظل أشكال متعددة للفيديرالية ونماذجها متعددة في انحاء العالم.
فالمقاربة للحل في سوريا في رأي هذه المصادر مبنية في أحد جوانبها على انه قد يكون مستحيلا إعادة السيطرة على كل الاراضي السورية، حتى بعد التخلص من “داعش”، نظرا الى مسؤولية بشار الاسد عن مجموعة من الجرائم ارتكبها من موقعه رئيسا للبلاد، والتي لن تقبل طوائف أساسية ومرجحة كالطائفة السنية أن تندرج تحت حكمه مجددا، كما انه سيستحيل على دول العالم حتى لو تغيرت اداراتها وفقا لانتخاباتها الديموقراطية ان تقبل التعامل مع الاسد تبعا للاتهامات التي اطلقتها ضده، ومن بينها مسؤوليته عن جرائم حرب ارتكبها ضد شعبه، ولكونه لن يكون قادرا على ان يوحد سوريا بطوائفها ومجموعاتها المتعددة، وهو الأمر الذي كان دافعا للسكوت عنه دوليا طيلة أعوام، على رغم أن دولا عدة تتهم نظام الاسد الاب ثم الابن بمجموعة جرائم آخرها اتهام محكمة اميركية نظام بشار الاسد بمسؤوليته عن تفجير إرهابي حصل في الاردن عام 2005. أما رحيل الاسد، فيبدو أن دولا عدة اقتنعت بأنه لن يحل مشكلة الحرب الاهلية في سوريا، وان يكن هو سببا مباشرا في اندلاعها.
وما حصل في ليبيا والعراق لجهة التخلص من معمر القذافي وصدام حسين لم يساعد هذين البلدين، لكن ما حصل ايضا في مصر حيث استعين بقائد عسكري مكان حكم “الاخوان المسلمين” يجعل الناس تترحم على حكم الرئيس حسني مبارك، وفق بعض المواقف الغربية، انطلاقا من أن التخلص من ديكتاتور أفضى الى ديكتاتور آخر وفق ما ترى دول عدة الوضع في مصر مع حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، والسكوت عن ذلك هو من اجل منع ذهاب مصر الى الفوضى المماثلة لما هي حال ليبيا والعراق، وعدم حاجة الغرب الى مشكلة اضافية خصوصا في بلد أساسي ومحوري على غرار مصر. وهذا يعني ان البديل من بشار الاسد ربما يكون ديكتاتورا آخر قد يعيد توحيد سوريا وتقبل به المجموعات الطائفية والاثنية السورية، مع بعض التغييرات الاساسية في التركيبة السورية تعطي هذه المجموعات حصة في الحكم.
فالمسار التفاوضي الذي يتحدث عن حكومة جديدة ثم دستور جديد قبل الذهاب الى انتخابات جديدة يتقرر على اساسها بقاء الاسد أو رحيله، هو محاولة كسب وقت سياسي في ظل تهدئة للحرب وتداعياتها التي أخافت الغرب بقوة، ولا سيما منها الدول الاوروبية. ومع التسليم الطوعي الغربي لروسيا بقيادة الحل في سوريا في ظل تراجع ملموس للولايات المتحدة، أقله في السياق الراهن وما لم تطرأ متغيرات على الموقف الاميركي مع الادارة المقبلة، فإن هدوء الجبهات وتراجع وتيرة الحرب سيترك المجال واسعا لروسيا دفع الامور في الاتجاه الذي تريد تماما كما كان تعب الغرب والعرب من لبنان زمن الحرب وتركوا لسوريا ان تحدد حيثيات تنفيذ اتفاق الطائف وفق ما تريد.
ومعلوم أنها حققت ما تريد في تدخلها العسكري، أي مساعدة النظام على استرجاع مناطق، بما سمح بتعديل التوازنات على الارض لمصلحته، ثم الدفع في اتجاه وقف الاعمال العدائية، ثم مفاوضات سياسية على أساس الواقع الجديد وفي ظل موقع أضعف للمعارضة في ظل التخلي الغربي عنها وتعبه من موضوعي الارهاب واللاجئين.
من هذه الزاوية ينظر البعض بجدية الى الاقتراح الروسي، وإن كان يهدف الى إبقاء الاسد لإدراك سوريا انه سيستحيل عليه اعادة توحيد سوريا تحت سلطته، وسيبقى البلد مضطربا على نحو دائم، فيما لا تستطيع روسيا ان تبقى مستنفرة للدفاع عنه. وكان انطلاق التظاهرات السلمية في حلب بعد وقف القصف، الدليل الابرز على أن لا عودة الى الوراء بالنسبة الى الشعب السوري. ولذلك ربما تجد فكرة الفيديرالية ميدانا خصبا.
المصدر : النهار