بداية لا بدّ من القول إن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن مساء امس بسحب الجزء الاكبر من القوات الروسية من سوريا على خلفية أن العملية العسكرية أنجزت اهدافها، أتى مفاجئا لكل الاطراف، أكان في سوريا أم خارجها. ربما كانت الولايات المتحدة كما سيتضح في ما بعد، الطرف الوحيد الذي قد يكون بوتين أخطره بالقرار، استنادا الى التناغم الكبير في موقف القوتين العظميين حيال الأزمة السورية.
ثمة سؤالان يطرحان الآن:
– هل حققت روسيا أهدافها من العملية العسكرية؟ الإجابة الاولية تفيد بنعم، اذا ما اخذنا في الاعتبار الاهداف الموضوعية التي يمكن أن تكون القيادة الروسية وضعتها أساسا.
فالتدخل العسكري الروسي أدى حتى الآن الى تحقيق جملة أهداف، أولها أنه أبعد شبح سقوط نظام بشار الاسد بالوسائل العسكرية، وخصوصا أنه عشية بدء التدخل كانت منطقة جبال العلويين والساحل في وضعية عسكرية سيئة للغاية، وقد أعلن المسؤولون الروس في ما بعد أن النظام كان على شفير الانهيار، وذلك على الرغم من كثافة الدعم الايراني، إما مباشرة عبر “الحرس الثوري”، وإما بطريقة غير مباشرة عبر ميليشيات شيعية استقدمت من لبنان، العراق، باكستان وافغانستان.
أما ثاني الأهداف التي حققتها موسكو فكان انتزاع دور مركزي في منطقة الشرق الاوسط عبر البوابة السورية، تركيز وجودها المستقبلي، فضلا عن مصالحها في سوريا. أما ثالث الأهداف فهو إطلاق مفاوضات سياسية ستكون طرفا مقررا فيها مع الولايات المتحدة.
السؤال الآخر المطروح: ماذا وراء توقيت الاعلان؟ لا معلومات موثوقا بها حتى الان، لكن في الفترة الاخيرة برزت مؤشرات لخلافات بين النظرة الروسية الى مجمل الازمة والحل، ونظرة كل من نظام بشار الاسد والقيادة الايرانية.
ففي مقابل استعجال روسيا في استثمار زخم التدخل العسكري للجلوس الى طاولة المفاوضات، برز موقف عبرت عنه مواقف بشار ومعاونيه، بعضها تحدث عن هدف استعادة كل الاراضي السورية (أي الحسم العسكري)، وبعضها الآخر ذهب الى الاعلان عن إجراء “انتخابات تشريعية” في نيسان المقبل (من خارج جدول المفاوضات)، وبعضها الثالث رسم خطا أحمر من دون مصير بشار في المرحلة المقبلة.
وفي الخلاصة، يمكن القول إن قرار موسكو سحب القسم الاكبر من القوات اليوم يعكس قرارا على تنفيذ خطة خروج آمنة، فيما جرى تحقيق أهداف مهمة لروسيا من دون التورط اكثر. لا شك في أنه من المبكر رؤية جميع جوانب القرار الروسي، كما انه من المبكر تقدير معنى “سحب القسم الاكبر من القوات الروسية” ومداه، فضلا عن مفاعيل القرار لجهة استمرار أعمال القصف أو توقفها.
إن الايام المقبلة ستكشف أكثر، كما أنها ستدفع جميع الاطراف الى إعادة تقويم مواقفها على طاولة المفاوضات، وفي الميدان على حد سواء.
المصدر : النهار