مقالات

القدس العربي – إعلان الفدرالية في سوريا وتبني الهجوم الانتحاري في تركيا!

تزامن إعلان مجموعة «صقور حرية كردستان»، أمس، مسؤوليتها عن هجوم انتحاري أدّى إلى مقتل 35 شخصا في العاصمة التركيّة أنقرة الأحد الماضي مع إعلان مناطق خاضعة لحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري عن إقامة نظام اتحادي في شمال البلاد.

مجموعة «صقور حرية كردستان» وحزب «الاتحاد الديمقراطي»، كما هو معلوم، ليسا إلا واجهتين لحزب العمال الكردستانيّ التركيّ، الذي يستعمل بذكاء الكثير من الأقنعة السياسية والعسكرية، بحسب الهدف المطلوب منها.

يستخدم حزب العمال «صقور حرية كردستان» (منظمة تبنّت هجوما انتحاريا في الشهر الماضي استهدف حافلات لنقل الجنود وأدّى لمقتل 29 شخصاً) عندما ينفّذ هجمات يُقتل فيها مدنيّون، فيما يستخدم «الاتحاد الديمقراطي» ووجوهه السورية الأخرى (كـ»وحدات الحماية الشعبية» ومجموعة العمل الديمقراطي وقوّات سوريا الديمقراطية) لتوظيف الساحة السورية في صراعه مع الدولة التركيّة، ومن هنا تُفهم الأهمية القصوى التي يشكّلها إعلان كيان سياسيّ لهذا الحزب على حدودها لأنه سيكون خزان الحركة المتبادلة بين الحدود السورية والتركيّة ومركز التدريب والتسليح والتجنيد، وبشكل قد يصبح أكثر خطورة بكثير من مركز قيادة حزب العمال الرئيسي في جبال قنديل في إقليم كردستان العراق، فوجود سلطة كرديّة في الإقليم العراقي يحدّ من قدرات حزب العمال على السيطرة على مساحات شاسعة وتوظيف الخزّان البشري العراقي الكردي لصالحه.

استخدام تنظيمات جهاديّة لأسلوب العمليات الانتحارية التي توقع ضحايا مدنيين دفع العالم لتصنيفها جماعات إرهابيّة، ويثير استخدام تنظيم ماركسيّ أسلوب العمليات الانتحاريّة نفسه شهيّة المقارنة مع تلك التنظيمات الجهادية، غير أن المفارقة المثيرة للتساؤل هي أن أذرع حزب العمال الكردستاني المختلفة ترتبط بعلاقات وثيقة مع بعض الدول الغربيّة (كما تحظى برعاية روسيّا التي لا تنفكّ تطالب بوجودها، باعتبارها ممثلة الأكراد، المفاوضات بين النظام والمعارضة السوريين) وتساهم هذه الدول (إضافة إلى النظام السوري!) وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، في تسليح وتدريب هذه التنظيمات مما يجعلها، عمليّاً، بمثابة الراعي الرسميّ لإرهاب انتحاريّ موجّه ضد إحدى الدول الديمقراطية الحليفة للغرب والعضو في حلف الأطلسي.

يكشف هذا الموقف تناقضات هائلة لأنه يوجّه كل قواه ضد إرهاب تنظيمات إسلامية متطرّفة ويتغاضى، في الوقت نفسه، عن إرهاب يساريّ متطرّف لا يختلف في الأسلوب ولا في وحشية الأساليب عن «شقيقه» الجهاديّ، مما يفتح أبواب التساؤل عن معنى المنافحة الغربيّة عن الديمقراطية، التي تتهدّم أمام أعين العالم بسبب عنف الصراع الدمويّ الدائر، وعن حقيقة تحالفها مع تركيّا في الوقت الذي تسمح فيه بهدم أسس هذه الديمقراطية وهزّ أركان أمن حليفها المفترض.

السبب الواضح والمعلن لدعم أمريكا والغرب لذراع حزب العمال الكردستاني السوريّ (حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حمايته الشعبية) هو مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، غير أن هذا الدعم العسكري والسياسي أدّى إلى نتيجتين مترابطتين، الأولى هي إعلان كيان كرديّ شبه مستقل في شمال سوريا، والثانية هي إعطاء دفعة كبرى للصراع الكرديّ ـ التركيّ أدّى إلى تصاعد إرهاب يساريّ غير مسبوق، ومحصلة النتيجتين قد تكون مخاطر كبرى على كيان تركيّا نفسها، وانفتاح إمكانية اندياح ظاهرة الإرهاب الانتحاري اليساريّ خارج الحدود التركيّة، وهو ما قد ينافس الإرهاب الانتحاري الجهادي بسبب وجود حاضنة كرديّة لحزب العمال الكردستاني في أغلب البلدان الأوروبية.

المصدر : القدس العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى