مقالات

وليد البني – كانتونات صالح مسلم في سورية

هل يخدم الحظ طاغية دمشق الى هذا الحد، أم هناك من يخطط لكل ما جرى ويجري، حتى يبقى نظام الأسد متحكّماً بسورية وشعبها، ريثما يتم تدميرها وتشريد شعبها وتفتيت المنطقة؟

ما إن خرج السوريون كاسرين جدار الصمت الذي بناه الطاغية الأب، منذ انقلابه عام 1970، واستمر بقوة العطالة في عهد الوريث حتى عام 2011، وبعد أن أصرّوا على عدم التوقف قبل نيل حريتهم، على الرغم من الرصاص الذي واجه به الطاغية تحركهم السلمي، حتى ظهر شبح القاعدة وداعش، بعد أن أفرج النظام عن عناصر القاعدة ورفاق أبو مصعب الزرقاوي من سجونه، وغضَّ النظر عن تحركاتهم، لتبدأ هذه التنظيمات التكفيرية ارتكاب فظاعاتها والدعوة الى إقامة الخلافة والإمارة، مكفّرة كل من لا يتبعها، وما سببته من رعب لمعظم السوريين بعد مشاهد السبي والرجم والجلد والرؤوس المقطوعة، الأمر الذي استغله الطاغية والمافيا التي يقودها لتحقيق هدفين: 

إبعاد سوريين كثيرين عن الثورة، ودفعهم إلى الحياد خوفاً من بديل أسوأ، أو دفع من كان حيادياً إلى تفضيل بقاء الاستبداد والفساد على دموية عقول أتباع دولتي البغدادي والجولاني وظلاميتها. وتخويف بعض الدول الإقليمية والرأي العام الدولي من بديل كارثي، روَّجت آلة النظام وحلفائه الإعلامية، في الداخل والخارج، أنه سيجعل من سورية قاعدة للإرهاب الدولي، وبؤرة ظلامية لزعزعة استقرار المنطقة والعالم، وهو ما نجحت في ترويجه إلى حد كبير.

لم يكد العالم والكثير من السوريين يستوعبون صدمة داعش، ويكتشفون مدى مصلحة النظام وتواطئه في تسهيل وجودها، حتى أخرج لنا الحاوي الحامي للطاغية شبحاً جديداً، متمثلاً بصالح مسلم ومليشياته وكانتوناته ومشروعه التقسيمي لسورية.

من المعروف، ومنذ الثمانينيات، أن حزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري الاتحاد الديمقراطي، هم حلفاء قديماً وحديثاً للطاغيين، الأب والابن. وقد استطاعت المليشيات التابعة لهما السيطرة على أجزاء من الجزيرة السورية بالقوة، وبدعم واضح ومعلن من النظام في دمشق، بينما شكل هجوم داعش على أهلنا في كوباني، والفظائع التي ارتكبتها هناك، حافزاً لاعتماد التحالف الغربي على هذه المليشيات، لطرد داعش من كوباني، وهزيمتها، بالاستعانة بتغطية جوية غربية، ومساعدة سكان المنطقة الذين كانوا خائفين من داعش وفظائعها.

الآن، وبعد الانسحاب الجزئي الروسي من سورية والضغوط الدولية التي تُمارَس على النظام لتسهيل التوصل إلى حل سياسي، والرغبة الشعبية السورية في الخلاص من الحرب والنظام وداعش معاً، يخرج علينا صالح مسلم بمشروعه التقسيمي، المتمثل في إعلان المناطق التي تسيطر عليها مليشياته في الشمال السوري، فيدرالية من أربعة كانتونات بقيادته، الأمر الذي قد يدفع كثيرين من سكان تلك المناطق إلى التحالف مع النظام، أو حتى داعش، خوفاً من شوفينية هذه المليشيات وتطرفها، واستمرارها في عمليات التطهير العرقي ضد السكان العرب.

لم يتأخر النظام في إعلان رفضه هذا الإعلان، وتقديم نفسه للسوريين، والدول الإقليمية الرافضة فكرة التقسيم، حامياً لوحدة سورية، تماما كما قدم نفسه حامياً للأقليات والدولة العلمانية في وجه داعش والقاعدة.

لا يصدر الرفض السوري الواسع لخطوة مليشيات الاتحاد الديمقراطي عن رفض الحكم اللامركزي، أو حتى النظام الفيدرالي طريقة قد تكون مقبولة من سوريين كثيرين لإدارة الدولة السورية الواحدة، وضمان حقوق جميع مكوناتها، بل هو رفض فكرة الكانتونات العرقية والطائفية التي قام مشروع مسلم على أساسها، ورفض فكرة فرض شكل نظام الدولة السورية بالقوة على السوريين، من دون اتباع الأساليب الديمقراطية لاختيار ما يناسبهم، فبعد محاولات البغدادي فرض دولته الإسلامية، والجولاني إمارته الإسلامية، وبشار الأسد دولته المافيوية الوراثية، يأتي صالح مسلم ليحاول فرض نظامه الكانتوني على السوريين، بقوة السلاح والقهر.

شكل ما قامت به مليشيات مسلم ضربة أخرى للثورة السورية، وصب الماء في طاحونة نظام الطاغية في دمشق، وأساء لفكرة النظام اللامركزي أو الفيدرالي في أذهان السوريين. والخشية أن يتم استغلالها لإحداث فتنة كردية عربية، بعدما نجح نظام الملالي في إيران مع حسن نصر الله والبغدادي والجولاني والرايات السود في إحداث فتنة طائفية، ساهمت في حرف الثورة السورية عن مسارها، وساعدت النظام على البقاء لاستكمال تدمير ما لم يتم تدميره بعد.

السوريون جميعهم مدعوون، اليوم، إلى مزيد من الحذر والوعي بمخاطر ما قامت به هذه المليشيات. وفي الوقت نفسه، رفض أي اقتتال عربي كردي قد يتم تأجيجه واستغلاله من النظام أو الدول ذات المصلحة، والعمل على إنجاز مشروع دستور وطني متوافق عليه، يضمن وحدة سورية والحقوق الفردية والقومية المشروعة لجميع السوريين، وتحديد شكل النظام السياسي المناسب للدولة السورية من أجل طرحه على أي استفتاءات قد تُجرى برعاية الأمم المتحدة، بناءً على خريطة الطريق المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254، كما على العرب التوقف عن لامبالاتهم تجاه ما يجري في سورية والعراق، لأن عمليات التفتيت قد لا تتوقف داخل حدود البلدين، وقد يكون لإسرائيل، ودول إقليمية، رغبة في تفتيت جميع دول المنطقة على أسس طائفية وعرقية. 

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى