مقالات

وائل عصام – في تركيا… الجنسية عراقي والتهمة سوري

لا شك أن الحكومة التركية احتضنت مئات الآلاف من اللاجئين السوريين وآلاف العراقيين، وســــاوتهم بمواطنيها في كثير من الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية.

ولا شك أيضا أن هناك تجاوزات بحقوق اللاجئين باتت تتصاعد في الأشهر الأخيرة، ما يسيء لإنجازات الحكومة التركية، ويعطي فرصة للراغبين بالصيد في الماء العكر، للتقليل من رصيد تركيا في مجال رعاية اللاجئين السوريين، وهو موقف أخلاقي وينبع من روابط تضامن صادقة وليس مصلحيا. لن نتحدث عن قضية إغلاق الحدود منذ عام، فهي تبقى محل نقاش، ولن نتحدث عن اطلاق النار على اللاجئين الذين يحاولون عبور الحدود، رغم انها قضية مستمرة منذ نحو عام، وأدت لمقتل عشرات النساء والاطفال، حتى أن بعض القضايا رفعت ضد حرس الحدود في محاكم أنقرة، قبل أن تصدر منظمة «هيومان رايتس ووتش» تقريرها الاخير الذي وثق حالات الضحايا.

ما سأتحدث عنه هو حالة جديدة تظهر ارتباكا في تطبيق القوانين الخاصة باللاجئين، وتعسفا في تفسيرها، وتهديد حياة اللاجئ في جانب آخر..

قصتنا عن الزميل الكاتب العراقي والباحث الخبير رائد الحامد، الذي دخل مع عائلته لتركيا عبر الحدود السورية قبل عامين، قادما من مدينة راوة العراقية، حينها عبرت مجموعة من نحو ألف شخص الحدود السورية التركية، بينهم عراقيون وسوريون تركمان وعرب، وكالعادة توجهوا إلى مكتب اللاجئين ليحصلوا على هويات الاجانب، ومنحت عائلته هويات لاجئين كتب عليها «هويات للأجانب» (يابنجي)، ولكن الموظف المسؤول سجل في النظام الداخلي أنهم سوريون، رغم أنه نقل البيانات الشخصية لهم من هويات عراقية!

ظل الزميل رائد الذي يقارب عمره الستين عاما يستخدم هذه الهوية هو وعائلته، فهي هوية لا يظهر فيها أي اشارة إلى أن صاحبها سوري، بل اجنبي فقط كما هو التعريف المكتوب، دخل الاولاد المدارس بها، وأقاموا لعامين ومعهم آلاف العراقيين اللاجئين بهذه الهويات نفسها، في محافظة اسكي شهير، إلى أن وقع ما لم يكن متوقعا، فخلال سفره من انطاكيا نحو غازي عنتاب اوقفته الشرطة، وقام باظهار هوية الكمليك وجواز السفر العراقي، وعند التدقيق بالهوية ظهر للشرطة أنها سورية، وان جواز سفره عراقي، هنا اتهم بالتزوير! رغم أن التزوير يفترض أن يكون للحصول على هوية تملك ميزات ما وليس هوية سورية لا تختلف عن العراقية بالنسبة للاجنبي في تركيا!

ولعل المفارقة أن مدينة راوة التي ينتمي لها الزميل رائد هي مدينة حدودية قرب الحدود السورية العراقية، وجزء من ابنائها يحمل الجنسية السورية، بل أن بعضهم من كبار مسؤولي الحكومة السورية كفوزي الراوي، وآخرين، فيا لها من حدود وجنسيات وهمية قسمت الوعي وبترت الروابط وقسمت الوشائج كما الأرض.

ورغم محاولات توضيح رائد وشرحه للشرطة أنه أعطى الموظف هوية عراقية وحصل على «كملك» وهوية لاجئين سورية، بدون أن يدري ولا حتى يوضح عليها بالكتابة، الا أن العقلية البيروقراطية وحواجز اللغة تعيق أي تواصل مجد، فتم نقله لمركز الترحيلات وأرسلت أوراقه لانقرة لترحيله، لكن إلى اين؟ إلى بغداد.

اللافت أن أبجديات الاعراف الدولية تقول إن اللاجئ لا يرحل لبلده، الا بعد استيفاء اجراءات قانونية وتوكيل محام، والأهم والأخطر، أن ترحيل شخص لمكان يشكل خطرا على حياته يعتبر انتهاكا، نادرا ما تقوم به أي دولة ملتزمة بقوانين اللاجئين، عدا عن كونها دولة ملتزمة بقانون المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان، فما بالك إذا كانت دولة شرق اوسطية تدرك حساسيات نزاعات هذه المنطقة، خصوصا الحرب الأهلية في العراق، فكثير من العراقيين السنة هربوا أصلا من حكومة بغداد ومليشياتها، وأحكامها الطائفية، لذلك لا يتم إبعاد أي لاجئ حال اقتضى الامر إبعاده إلا إلى أربيل وليس بغداد.. طبعا بعد عدة اتصالات وزيارات لمركز الاعتقال مع المحامي، تم إيقاف تنفيذ الإبعاد، لكن السؤال هل سيضطر كل عراقي هارب لاسباب سياسية من مناطق حكومة بغداد أن يطلب التوسط من مسؤول حكومي حتى يتم احترام حقوقه كلاجئ؟

أم أن القانون للاقوياء فقط؟ هل تستطيع الحكومة التركية تطبيق القانون نفسه على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المقيم في اسطنبول والمطلوب اعتقاله من حكومة بغداد؟ طبعا لا، إذن لماذا لا ينظر بالعين نفسها لباقي العراقيين السنة المهددين بالترحيل في تركيا، إذا كان الهاشمي ممثلهم السياسي الابرز في بغداد قد ضاقت به بغداد وحكومتها؟

الجواب ببساطة حصلت عليه عندما علمت أن شخصا عراقيا محتجزا هو الآخر في انطاكيا بعد أن ألقت قوات حرس الحدود التركي القبض عليه، وهو يحاول عبور الحدود التركية، المفارقة هو أنه من راوة ايضا، ودخل الحدود للالتحاق بعائلته التي تسكن ايضا في محافظة تركية، ولديها هوية الكمليك الخاصة بالأجانب، وكذلك الشرطة ابلغوه بان سيتم ترحيله لبغداد هو وخمسة عراقيين من محافظات سنية اعتقلوا لدى عبورهم الحدود قبل ايام، للحاق بعائلاتهم في محافظات تعج باللاجئين العراقيين كمحافظة اسكي شهير، ولكن هؤلاء المحتجزين لا يملكون أي علاقات تمكنهم من إيقاف الترحيل، وفي الوقت نفسه لا يعاملون وفق القوانين المتعارف عليها، التي تضمن حق لم الشمل الأسري وعدم الإبعاد القسري لبلدان تشكل تهديدا على حياة الإنسان، وبطل البيروقراطية والارتباك في تفسير القوانين فإن كثير من اللاجئين قد يسلمون لحكومات هربوا منها، وهذه قضية باتت تتفاقم في الآونة الأخيرة، حيث تشير الأرقام إلى ترحيل نحو مئة عراقي لبغداد اعتقلوا لدى محاولتهم عبور الحدود، ولعل الأمر الآخر الذي يظهر عدم المساواة بالقوانين، هو تمييز العراقيين من اصل تركماني ومنحهم اللجوء على عكس العرب! فالتركمان بالنسبة لتركيا لا يخضعون للتصنيف بحسب جنسيات سورية أو عراقية وهم عابرون لخرائط الحدود السورية والعراقية بل والتركية ايضا!

المصدر : القدس العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى