هناك فائدة وحيدة من عاصفة الجدل اللبناني، بعدما اكتملت الانتخابات البلدية وظهرت نتائجها، وبعد مصارحات غير مألوفة من سياسي محنّك مثل الوزير نهاد المشنوق… تلك الفائدة جناها طرف واحد، هو “حزب الله”.
فمن جهة ابتعدت الأضواء عن ورطته وخسائره في سوريا، ومن جهة اخرى التقط فسحة غير متوقعة لـ “التذكير” بما ادّعاه سابقاً من أن ايران “لا تملي عليه سياساتها في أي وقت” وكانت الصدقية تفترض أن يضيف القائلون “… إلّا في المقتلة السورية و… و…”. وحتى السفير الايراني وجدها فرصة سانحة للقول إن بلاده “لا تسمح لنفسها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، خصوصاً في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية في لبنان”. وكانت الصدقية تقتضي، لو توفّرت، القول بأن بلاده “… لا تتدخّل إلّا في سوريا والعراق واليمن والبحرين وسائر دول الخليج”.
أراد “حزب الله” عقد مقارنة بين “عدم تدخّل” ايران و”تدخّل” السعودية استناداً الى رواية الوزير المشنوق. ومن الواضح أن معايير “الحزب” في تلك المقارنة، وفي مجمل سياساته، ليست المصلحة الوطنية، بل تقتصر على أمرين: السلاح والمال. بديهي أن ايران ضمنت أدلجته المذهبية على السمع والطاعة، قبل أن تسلّحه وتموّله، الى حدّ أنه زجّ بلبنان عام 2006 في حرب مدمّرة لا لزوم لها سوى أن الأجندة الخفيّة، الايرانية – الاسدية، كانت تحتاج اليها. كما أن “الحزب” – ومن دون تدخّل خارجي؟ – استباح بيروت عام 2008 (كما فعل الاسرائيليون عام 1982) استدراجاً لتسوية خارجية تملي شروط ايران والاسد على الصيغة والحكم اللبنانيين.
في المقابل ما الذي حصل في 2009 – 2010؟ لم يعترف “حزب الله” بنتائج الانتخابات والغالبية التي حصّلها تيار “14 آذار”، مستأنفاً وحلفاءه التأزيم وتعطيل الحياة السياسية. كان المخرج المؤلم أن يزور الرئيس سعد الحريري دمشق ويصافح قاتل والده الرئيس رفيق الحريري، وقيل إن الرياض نصحت بذلك طالما أن ليس لدى المحكمة الدولية ما تتهم به بشار الاسد شخصياً. وبعدما تفجّرت أزمة اتهام عناصر من “حزب الله” قام العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز بوساطة شخصية وجاء بالاسد الى بيروت، ظنّاً منه أن الأخير يريد، مثله، استقراراً وتعايشاً سلمياً بين اللبنانيين. سيتبيّن لاحقاّ للملك عبدالله أن الاسد لا يريد الخير حتى لسوريا والسوريين.
وكما في أزمة الشغور الرئاسي اليوم، كذلك في أزمة 2010، غلّبت الرياض وتغلّبت مصلحة لبنان دولةً وشعباً على مصلحة أي طائفة أو حزب أو زعيم، وهذه المصلحة هي التي أملت وتملي على “تيار المستقبل” خط الاعتدال، وإنْ لم يكن شعبياً. وقد تأكد سابقاً أن المجيء بحكومة “القمصان السود”، وفقاً لإرادة دمشق – طهران، لم يطح الحريري فحسب بل أطاح المصلحة الوطنية، الى حد أن قتال “حزب الله” في سوريا يضع لبنان في مهب الرياح.
المصدر : النهار