يصفه العديد من الناشطين السوريين بأنه «بطل الانسحابات التكتيكية» في المعارك ضد النظام. الرئيس الأسبق لائتلاف المعارضة معاذ الخطيب فاجأ الكثيرين بوصفه، مطلع نيسان (أبريل) 2014، على النحو التالي: «ليس أبو عبدالله معصوماً ولا يصيب في كل الأمور، فهو إنسان يعمل ويعيش في أقسى الظروف، لكنه يحمل في صدره هم الأمة، ولوعة مجاهد، ويبذل جهده وفوق رأسه همّ أكبر من الجبال».
ليعود معاذ الخطيب أيضاً بعد نحو سبعة أشهر، وبالتزامن مع مرور سنة على اختطاف ناشطي مركز توثيق الانتهاكات في دوما، إلى مديح الرجل وتبرئته من تهمة اختطاف الناشطين الأربعة. ولم يفت الشيخ الخطيب التبرير مواربةً له بسبب التسجيل الذي شاع لقائد «جيش الإسلام» وهو يشتم الديموقراطية.
الجدير بالذكر أنه، باستثناء نفي مسؤوليته عن اختطاف رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي، لم يقدّم زهران علوش تفسيراً لحادثة بهذا الحجم في مدينة دوما التي يُفترض أنها حرة ومحررة وتخضع لسيطرته، ولم يقدّم تفسيراً لاستخدام قياديين من جماعته أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالنشطاء الأربعة، الأمر المثبت من خلال تتبع الـIP الخاص بالأجهزة. الأنكى، ما أشيع بتاريخ 29/12/2014 عن حالة هروب جماعية من سجن القضاء الموحد في دوما، حيث تمكن من الفرار، بحسب وصف المسؤولين عن السجن، عبدالله الشادلي المتهم بالعمالة للنظام وبخطف رزان زيتونة، ومجموعة كاملة يترأسها الملقب بـ»أبو محمود دوما»، وهي مجموعة متهمة بسرقة مستودع للذخيرة بقيمة مليار ونصف مليار ليرة سوريّة. وأيضاً لم يُقدَّم تفسير عن عدم الإعلان عن مختطِف رزان زيتونة وعن اعترافاته وعمالته للنظام إلا مع هربه. أما أن تتمكن مجموعة من سرقة مستودع ذخيرة بهذه القيمة فذلك يرسم إشارة تعجب كبيرة، ربما لا تضاهيها سوى قدرة «جيش الإسلام» على اغتنام أسلحة وفيرة من قوات النظام، بما فيها المدرعات والمصفحات ومضادات الدروع والصواريخ الحرارية، وعدم استخدامها في صد أكثر من هجوم ناجح للنظام على الغوطة الشرقية بذريعة عدم تواجد «جيش الإسلام» في مواقع المعارك، أو بذريعة وجود رمزي لمجموعاته التي انسحبت تكتيكياً بسبب تخاذل الفصائل الأخرى!
في لقاء نادر له على قناة الجزيرة بتاريخ 21/6/2013، كان زهران علوش واضحاً في رفضه الديموقراطية «على النمط الغربي!» لسورية، مستشهداً بقراءته لابن خلدون التي تنص على أن العرب لا تقوم لهم قائمة إلا بصفتهم الدينية. في المقابلة ذاتها يورد الشروط المطلوبة لمقاتليه، وهي بالترتيب «السمع والطاعة والصدق والالتزام والتحلي بالأخلاق والدين وما إلى ذلك. معيار الالتزام بأهداف الثورة وقضية الحرية ليس وارداً في دفتر الشروط، وحتى التحلي بالدين يأتي متأخراً حيث الأولوية للسمع والطاعة.
مع ذلك، التوقف عند «جيش الإسلام» وقائده يتعدى إسلاميته، لأنه ناجم عن الظاهرة التي يشكلانها، خاصة مع المعركة الأخيرة التي أطلقها «جيش الإسلام» في الغوطة ضد فصائل مسلحة أخرى، والتي يبدو أنها بدأت في مدينة حرستا، المتاخمة لدوما، باغتيال قائدي كتيبتي «درع الرسول» والبشير المنضويتين تحت لواء «جيش الأمة». إذ بعد عملية الاغتيال مباشرة أعلن علوش في تغريدة له على تويتر عن بدء عملية «تطهير البلاد من رجس الفساد»، ورُصدت مكافأة مليون ليرة لمن يسلم أحد قادة «جيش الأمة»، مع التنويه بمكافأة مالية لمن يسلم أحد عناصره، وتوعد كل مدني يحمي أو يؤوي عناصر «جيش الأمة» بأنه سيعامل مثلهم. التساؤل عن القدرة على دفع مكافآت مالية ضخمة، لقاء تسليم قادة وعناصر تنظيم منافس ضخم، سيكون نافلاً إذا تذكرنا اقتحام أهالي دوما مستودعات «جيش الإسلام» مطلع العام الفائت، حيث تبين امتلاؤها بالأغذية فيما يعاني الأهالي من المجاعة.
وقد لا يبقى للتساؤل معنى بعد تقاذف الاتهامات في الأيام الأخيرة حول تلقي مئات آلاف الدولارات من شخصية معروفة جداً لدى السوريين بكونها واجهة مالية للأسرة الحاكمة، حيث جرى تقاذفها بالوقائع بين أمين سر المجلس العسكري الثوري لدمشق وريفها و»جيش الإسلام»، وعلى ذمة الطرفين يظهر قبول «جيش الإسلام» وفصائل أخرى بتلك الهبة التي لا يُعرف ما يقابلها.
قد لا تكون حالة «جيش الإسلام» ناشزة عما هو معهود في النزاعات الطويلة. حتى محاولة استئثاره بالسيطرة على الغوطة وسحق الفصائل الأخرى قد نجد ما يشابهها في نزاعات أخرى. وأن يعلن «جيش الإسلام» إسقاط طائرتين حربيتين للنظام وهو يحارب الفصائل الأخرى على الأرض، فتلك كذبة قد يطرقها أي تنظيم ليعطي نفسه أفضلية مقارعة النظام. على أن الثابت فيها إطلاق صواريخ حرارية لم تُستخدم من قبل على رغم وقوع الغوطة تحت غارات جوية شبه يومية. لكن عدم فرادة ظاهرة «جيش الإسلام» تغطي على خصوصيته أيضاً، الخصوصية التي تجعل التفاصيل السابقة، وغيرها كثير، منطقية. فليس اعتباطياً وصف زهران علوش بحــامل هم الأمة، والإصرار عليه من قبل شخــصية معروفة بانحيازها إلى الحل السلمي؛ هذا على سبيل المثال قد يكون إطراء على عدم استخدام المخزون الكبير من السلاح لدى «جيش الإسلام».
أيضاً، ليس مصادفة سعي «جيش الإسلام» إلى بسط سيطرته على الغوطة في الوقت الذي يُحضّر فيه لمفاوضات موسكو. فعندما تلوح تسوية في الأفق تسعى القوى الموجودة على الأرض إلى تحسين حصتها. العامل الأخير غير بعيد بتاتاً عما تبقى من برجوازية دمشقية تتوسل الحل، قبل أن يمتد الحريق إلى مدينتها وينفذ بشار الأسد تهديده الشهير بتدميرها أسوة بالمدن الأخرى، ولا يوجد هناك أفضل لها من فصيل يتحكم بغوطتها المحررة، ويلجم أولئك «المغامرين» الذي قد يفكرون في اقتحام العاصمة. وفرة الأغذية والأسلحة في مستودعات «جيش الإسلام» لا يمكن أن تنجم سوى عن خط تقاطع للمصالح تدعمه فئة متمكنة من تجار دمشق، في الجوار من ذلك ثمة «تكنوقراط»، لم يقطعوا علاقتهم بالنظام ويعملون استشاريين لدى منظمات دولية، بدأوا الترويج لتسوية بقيادة النظام والبرجوازية الدمشقية، بحيث تحصد الأخيرة مغانم معركة لم تخضها.
تضخم إمارة زهران علوش جزء من هذا المناخ، وهي ربما ليست إمارة إسلامية إلا بقدر ما يكون السمع والطاعة إسلاميَّيْن.
الحياة _ وطن اف ام