مقالات

ماجد السامرائي: التعبئة الشعبية في حرب داعش

ليس غريبا أن ينخرط آلاف الشباب الشيعة في ما سمي بالحشد الشعبي تلبية لفتوى مرجعهم السيستاني، فقد سبق لهذه المرجعية أن وجهت بالذهاب للانتخابات عام 2005 ولبى الملايين النداء. ويبدو أن هذا النشاط يأتي من وجهة نظر حكومة العبادي كرديف للمؤسسة العسكرية الرسمية التي انهارت في 10 يونيو 2014، والتي لم يتم بناؤها وفق معايير مهنية ووطنية، وتمت تعبئة قوات الحشد الشعبي من قبل قيادات حزبية ومليشياويةشيعية وأكبرها منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري، وبتنسيق مع الفصائل القادمة من إيران بزعامة قاسم سليماني وأعوانه.

كان من عناوين تلك التعبئة الإعلامية المرحلية تحويل المكاسب العسكرية المحدودة إلى انتصارات كبرى. مثلما حصل في ناحيتي بامرني وجرف الصخر. وكان هذا الشغل مفهوما من الناحية التعبوية التي أريد من خلالها ملء الفراغ الذي تركه انهيار المؤسسة العسكرية النظامية، وإيقاف مسلسل الانهيارات لكي لا يطال مدنا أخرى، وهناك حملة إعلامية للهجوم على أية محاولة انتقاد لممارسات تلك الحشود ضد أبناء المناطق التي تتواجد فيها ومن منطلقات طائفية.
التطور المهم في الإعلام والتعبئة هو الكشف عن دور إيران في الحرب الحالية، خصوصاً بعد مقتل قيادات إيرانية مهمة (الجنرال حميد تقوي) ووصفته وسائل الإعلام الإيرانية إنه أحد مؤسسي “عصائب أهل الحق في العراق”، ويبدو أن هذه الرسائل موجهة إلى الأميركان لتأكيد استسلامهم للنفوذ الإيراني في العراق.
لا يشك في اندفاع كل مواطن عراقي محب لعراقيته في مواجهة داعش والعمل على طردها من الأراضي العراقية، حينما تكون تحت سقف الواجبات المقدسة تجاه الوطن، وسبق لأهل الأنبار أن قاموا بهذا الواجب الوطني عام 2006 ضد تنظيم القاعدة وطردوه دون ضجيج وتوظيف طائفي. والصحوات كانت بتدبير الجنرال الأميركي بترايوس، وبعد انتهاء تلك المهمة تركهم المحتل الأميركي بيد حكومة المالكي، وكان مصير منتسبيهم الاغتيال من جهات عدة حيث وصلت أعداد القتلى منهم 1345 شخصا منذ عام 2009. توهم رئيس الحكومة السابقة بأن تتحول قوة الصحوات إلى جيش سني بمواجهة الحكومة الشيعية. وذات الوهم يتكرر في ظل حكومة العبادي في مسألة تشكيل الحرس الوطني رغم أنه سيسير في تعهده أمام الأميركان لتنفيذه. وبالمناسبة فإن الحشد الشعبي الشيعي تحوّل بقرار من رئيس الوزراء إلى هيئة رسمية وصرفت له التخصيصات المالية.
الأميركان لهم تحفظات معلنة ضد تشكيل الحشد الشيعي ومخاطر اختلاطه مع أبناء المناطق العربية السنية خلال التحرير وما بعده. وقد خصصت وزارة الدفاع الأميركية مبلغ 24 مليون دولار لدعم أبناء هذه المحافظات بالسلاح المتنوع وتدريب ما لا يقل عن مئة ألف مقاتل منهم، وهو مبلغ لا يعني شيئا. والأميركان يستثمرون حالة رفع القيد عن حصانة قواتهم العاملة في العراق والتي كانت موضع خلاف مع حكومة المالكي، ويقولون إن ذلك الحظر كان بتأثير من طهران. وهناك سباق أميركي إيراني يحصل في مشاريع التعبئة القتالية العراقية (الحشد الشعبي والحرس الوطني السني) وسط شعور بأن القوات العراقية لن تستعيد عافيتها قبل حسم المعركة ضد داعش.
هناك تعبئة إعلامية ذات بعد طائفي سواء من وسائل الإعلام الإيرانية، أو العراقية الحزبية، وكذلك إعلام حزب الله في لبنان، ووسائل التواصل الاجتماعي تدير المعركة النفسية وفق تصنيفات تفرز ما بين فريقي المعركة داخل العراق.
الأول: قوات الحشد الشعبي التي تقاد من قبل مسؤولي المليشيات الشيعية، بدعم من الحكومة المركزية، وسط تصريحات إيرانية تقول بأن بغداد هي قلب إيران، وأن المجال الأمني القومي الإيراني يمتد حتى الضفاف الغربية لدجلة. والفريق الثاني: تنظيمات داعش وحواضنه المفترضة من العرب السنة، وجميع التنظيمات المسلحة التي لديها مواقف تاريخية ضد الاحتلال والعملية السياسية في العراق، ويتم توظيف الحرب على داعش من قبل إيران في إطار الحرب الإقليمية الطائفية والنفوذ الإيراني من لبنان إلى اليمن.
هناك وقائع تشير إلى هذا الفرز الطائفي، حيث يقترف بعض منتسبي الحشد الشعبي اختراقات لحقوق الإنسان في المدن العربية السنية بعد إزاحة تنظيمات داعش عنها، حسب استغاثات أهلها المتكررة، والمؤشرات تؤكد منع عودة الأهالي إلى بيوتهم بعد إزاحة داعش، إضافة إلى تعميق هذا التنافر من خلال التردد الحكومي في تزويد العشائر المنخرطة في قتال داعش بالأسلحة والعتاد. فيما يمارس سياسيو السنة حملة تعبوية ملتبسة بسبب عدم وضوح مشروعهم السياسي في العراق وخضوعه لزعامات لا تتردد في التضحية بأبناء جلدتها لقاء الجاه والمال. هذا الانقسام الطائفي حول محاربة داعش ليس غريبا في بلد لا يحكمه مشروع وطني يضع برنامجاً تعبويا واضحا في مجالات القتال والحرب الإعلامية التي ما زال داعش يتقن إدارتها.

العرب اللندنية _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى