لقد تجاهلت دعوات التدخل الأميركي المبكر في سوريا عدداً من الحقائق على الأرض.
وأولئك الذين زعموا أن الولايات المتحدة كان عليها تقديم مزيد من الأسلحة إلى المعارضة، وأن ذلك في حد ذاته كان ليغير الموازين، مخطئون. فالروس الذين أغضبتهم الولايات المتحدة في ليبيا، لم يكونوا راغبين في خسارة موقع استراتيجي آخر لمصلحة الغرب. ونتيجة لذلك، كانت زيادة دعم المعارضة في مواجهة نظام الأسد، ستؤدي تلقائياً إلى زيادة الدعم الإيراني والروسي لحليفهما في دمشق.
علاوة على ذلك، لم يكن أي دعم إضافي لـ «الجيش السوري الحر» ليقنع كثيرين بأن الحرب لن تأخذ شكلاً طائفياً، فوحشية النظام كانت كفيلة بذلك. وبمجرد أن انطلقت الحرب، كان مقدراً لها أن تكون طائفية، وأن تتحول إلى صراع إقليمي بالوكالة بين حلفاء روسيا والولايات المتحدة.
أما الذين طالبوا واشنطن بالمشاركة مباشرة في القتال، إما من خلال استخدام قواتها الجوية لإقامة «منطقة حظر طيران» أو عبر استغلال قواتها البرية لإقامة «ممرات إنسانية»، فقد تجاهلوا حقائق سياسية كثيرة؛ إذ بعد الانتهاء من سنوات الحرب الفاشلة في العراق، أصبح الأميركيون قلقين من أي تدخلات جديدة في الشرق الأوسط. وفي حين اقترح مؤيدو الإجراءات العسكرية الأميركية تكتيكات فعالة، إلا أنهم عجزوا عن ترجمة ذلك في صورة استراتيجية تضمن الفوز، أو إيضاح كيف يمكن للتدخل أن ينهي انزلاق الولايات المتحدة بدرجة كبرى في الصراع.
ومن بين الأمور التي تم تجاهلها أيضاً، الرؤى السلبية حيال الولايات المتحدة في الدول العربية، لا سيما أن استطلاعات الرأي تظهر بصورة مستمرة معدلات تأييد متدنية لأميركا في جميع دول المنطقة، وفي بعض الأحيان أقل من مستويات تأييد إيران.
كان لا بد أن يكون واضحاً منذ أن بدأ الصراع في سوريا، أنه لن يكون من السهل إنهاؤه. بيد أن الأوهام ما زالت موجودة. وما زال هناك من يعتقد أن أحد الطرفين يمكنه أن يسحق الطرف الآخر. فنظام الأسد شيطن أشكال المعارضة كافة ووصم المعارضين بالإرهاب، فيما أدى إصرار المعارضة على رفض التفاوض مع النظام إلى جعل الصراع «معركة صفرية»، وساعدت الولايات المتحدة على تعزيز هذا التوجه بإعلانها منذ البداية أن «الأسد عليه أن يرحل».
والحقيقة أن الأسد فقد شرعيته لدى غالبية السوريين، علماً أنه ما زال هناك جزء منهم كبعض النخب الحضرية، فضلاً عن أكثرية المسيحيين والعلويين والأقليات الأخرى، يعتبرون الأسد المدافع عن أمنهم ضد المعارضة التي يخشونها أكثر مما يخشون نظام «البعث».
في ضوء ذلك، من الضروري أن نضع الأوهام جانباً بشأن إمكانية انتصار أي من الطرفين. والأسوأ من ذلك، فإن حلول السلام والعدل والديموقراطية لن يتحقق بفوز أي من الطرفين. والواقع أن سوريا القديمة انتهت إلى الأبد، ولن يكون من السهل ظهور الديموقراطية على أطلال النظام القديم. وأفضل ما يمكن أن نأمل به بعد أربع سنوات دامية من الصراع، هو أن تتضافر الجهود لوقف نزف الدماء، لا أكثر.
السفير – وطن اف ام