يؤشر رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور على حجم التعدد في فهم النخب الأردنية لتداعيات ما يحصل في العالم والمنطقة وهو يتحدث في إحدى الجلسات الخاصة وبصفته الشخصية عن ” صراع الحضارات ” وموقف الغرب السلبي من الإسلام والمسلمين الذي يسعى لاستغلال بعض الأحداث.
النسور كان يتحدث في مناسبة خاصة على هامش مأدبة عشاء أقامها أحد رجال الأعمال في العاصمة عمان وأطلق تعليقات أثارت انتباه الحضور عن تنشيط بعض الخلايا الغربية لما يسمى بصراع الحضارات.
وهي نظرية لا تنطلق المؤسسة الأردنية في الواقع بالعمل منها في كل الأحوال.
مستوى الاستغراب وصل إلى حد اضطرار أحد أفراد طاقم النسور لتوضيح وشرح الموقف بعيدا عن تسجيل المواقف رغم ان الأخير كان واضحا وهو يدلي برأي سياسي وفكري خارج سياق الموقف الرسمي.
الأردن إقليميا وجد نفسه وفي أكثر من جانب وسط هذا الصراع المفترض ..الغرب يحاول توظيف الموقع الجيوسياسي الأردني ومؤسسة القرار المحلية تحاول «استثمار» هذا الموقع وإعادة إنتاج دور الأردن الإقليمي الذي باتت الدول الغربية بحاجة ملحة جدا له.
في الوقت نفسه بدأت قوى وأجهزة الدولة الأردنية تعمل على استراتيجية التحصين ضد أخطار التطرف والتشدد الديني رغم ان الرسائل والأدبيات التي وصلت من تنظيم الدولة الإسلامية، ورغم المواجهة بعد أسر الطيار معاذ الكساسبة لا زالت تقرر بأن الأردن «ليست هدفا قتاليا» لفعاليات الجهاد السورية والعراقية لا حاليا ولا في المدى المنظور.
يعرف الأردنيون حسب مسؤول بارز تحدث لـ «القدس العربي» بأن تنظيم الدولة الإسلامية لا يسعى لمواجهة «الخبرة الأردنية» إطلاقا في ميدان المعركة.
رغم ذلك تشدد المؤسسة الأردنية وبكل اللغات على أن المملكة معنية بالصدام الفكري والسياسي مع حواضن التنظيمات المتشددة ومصر على عبارة «هي حربنا» على أساس تحليل أمني معمق للواقع الإقليمي حيث جبهة النصرة على حدود درعا الشمالية والتنظيم على الجبهة الشرقية بمحاذاة الأنبار وحيث السعودية مرشحة لمشكلات حيوية وهو وضع لا يمكن لعمان الإرتهان له.
على هذا الأساس تجري خلف الكواليس محاولات معمقة لمواجهة موجة ما يسمى بالوسط الرسمي بالفكر المتشدد دينيا والأصولي بعد اكتشاف حقائق كانت تغفل عنها مؤسسات الحكومة بعنوان أولا عدد الأردنيين الكبير جدا والذي يفوق أربعة آلاف في تنظيمات الجهاد السوري والعراقي وثانيا عدد «أبناء العشائر» المؤيدة بصورة تقليدية للنظام في هذه التنظيمات.
التحرك في اتجاه المجتمع كان عنوانا لبعض التحركات في الكواليس مؤخرا فمركز إدارة الأزمات وهو مؤسسة «سيادية» بطريقه نحو خلايا تفكير استراتيجي تتابع بعض المسائل ووزارة الأوقاف تتهيأ لحملة على مستوى مشاريع الوعظ والإرشاد ووزارة التعليم العالي وضعت خطة لم تنفذ بعد لتحصين الجامعات وهاجس العديد من المؤسسات اليوم يعمل تحت وطأة عدم السماح لصراع الحضارات بأن يؤدي لـ «عبور أو تسلل» الأفكار والبرامج المتشددة دينيا إلى مستوى العمق في المجتمع الأردني.
يحصل ذلك بالتوازي مع جاهزية لإطلاق جهد إعلامي نوعي واستعداد أمني وعسكري دفاعي مع خطط تحتمل بصورة أو بأخرى الإضطرار «لعمليات خارج الحدود» بهدف حماية الحدود.
تنظيم الدولة الإسلامية وفي آخر تفاعلاته مع اتصالات أردنية بشأن ملف الأسير الطيار معاذ الكساسبة طرح شرطا غريبا انشغلت المؤسسات الأردنية بتحليله عندما طالب بـ «مفاوضات مباشرة» وجها لوجه.
وهو خيار في كل الأحوال لا يمكن لعمان الموافقة عليه وإن اختبرت إمكانية إجراء صفقة تبادل برموز محسوبة على التيار الجهادي في السجن من بينها زياد الكربولي عراقي الجنسية ومساعد سابق لأبو مصعب الزرقاوي المؤسس الأول لفكرة داعش بالعراق وكذلك ساجدة الريشاوي التي شاركت عام 2006 في محاولات تفجير الفنادق في عمان.
على مستوى السياسيين والأجهزة ووسائل الإعلام الجميع مشغول تماما بكل ما له علاقة بالصراع الغريب الذي وجد الأردنيون أنفسهم في عمقه، وسط هذه الموجات النقاشية يحصل ان يعود أحد ما لقصة صراع الحضارات.
الكاتب : بسام البدارين – القدس العربي