على الأغلب سيدخل ملف قضية مقتل الناشطة شيماء الصباغ نفقاً مظلماً، وستُضاف قضيتها إلى قضايا أخرى لم يُعرف الجاني فيها ولن يُعرف! المستفيدون من بقاء الأجواء ملتهبة كُثر، وغياب الثقة بين غالبية الأطراف الفاعلة على الساحة المصرية الآن سائد، ومهما كانت المعلومات أو حتى نتائج التحقيقات فإن استغلال الحادثة قائم والكلام عن تورط «الإخوان» وتآمرهم أو اندفاع الشرطة أو قسوتها، وطفولية الناشطين وعدم تقديرهم للموقف سيظل من المفردات التي تقرأها وتسمعها في مواقف كهذه.
لكن المهم أن شيماء الصباغ دفعت ثمناً لإصرار جماعة على حرق الأخضر واليابس لتظل قائمة، وشرطة انهارت قبل أربع سنوات وعادت من دون أن تضع في اعتبارها أنها ستظل دائماً محل اتهام، ولم تطور من أدائها بما يجعل من اتهامها مخالفاً للعقل، ومراهقة سياسية لتنظيمات وشخصيات انفض عنها الشارع ولم تدرك أن للثورات أسباباً ودوافع وظروفاً لم تعد قائمة الآن.
عموماً كما توقع العقلاء، مرت ذكرى 25 كانون الثاني (يناير) من دون ثورة جديدة، وكالعادة لم يستجب الناس لدعوة «الإخوان المسلمين» لإطاحة نظام الحكم وإطلاق الدكتور محمد مرسي وحمله ليجلس مجدداً على المقعد الرئاسي، ولم يلتفت الناس إلى نداء بعض القوى التي تطلق على نفسها صفة «الثورية» للاحتشاد في الميادين للاحتجاج والتعبير عن الغضب!
ومثل كل مرة كان الحضور في الشارع ضعيفاً، وتحول الاحتجاج إلى شغب والاعتراض إلى عنف والتعبير عن الرأي إلى كر وفر، وكانت الحرائق والقنابل المشهد الأبرز في الاحتفال! وعندما ترى أحدهم مصراً على المضي في طريقه متبعاً الوسائل والآليات نفسها، التي يعتقد أنها تحقق له النجاح وفي كل مرة يفشل، فإنك بالطبع ستتوقع أن يكون مصيره فشل جديد! وبالنسبة إلى «الإخوان» القصة معروفة، فالجماعة فقدت سلطة كانت في حوزتها وحكماً لأكبر بلد عربي كان بين يديها بعد سنة واحدة مارست فيها كل أنواع الفشل وقطعت خلالها كل خيوط التواصل مع غيرها من القوى، وفقدت فيها القدرة على الاحتفاظ بقدر من التواضع فأرادت أن تعود بشتى الطرق، وإن لم يكن، فعلى الأقل أن تحافظ على كيانها، وألا يكتشف أعضاؤها ومحبوها والمتعاطفون معها أن «بتوع ربنا» فشلوا في الحكم، أو مارسوا الظلم، أو كانوا ضحية الطمع.
لم تعد الجماعة قادرة على الوقوف خلف ثورة، أو حتى تنظيم تظاهرة من الوزن الثقيل، إذ صارت منهكة متعبة مشتتة. وشباب ومراهقو الثورة والتنظيمات التي ركبتها فلم يستوعبوا الدرس وما زالوا يعتقدون أن استنساخ 25 يناير أمر سهل، ولم يدركوا أن الناس خرجت قبل أربع سنوات إلى الشوارع استجابة لدوافع كانت في داخلهم للاحتجاج، ورغبة في التعبير عن الغضب وإصراراً على التغيير، وأن تصرفات تلك القوى الثورية بعدها أفضت إلى تسليم البلاد إلى «الإخوان».
في أدبيات التنظيمات «الثورية» اليسارية منها أو الليبرالية، أو حتى الناصرية، تدرك «الطليعة الثورية» التي تقود الجماهير أن مهمتها تحريك الوعي، وكشف الحقائق للناس ثم الانضمام إليهم والبقاء معهم واكتشاف رغباتهم وتنويرهم ليعبروا عنها، وليس القفز فوق الرغبات وتحويل الأحلام إلى كوابيس وتحقيق أقصى استفادة من آلام الناس والمتاجرة بأرواح الشهداء. سئم الناس وملوا تكرار الأساليب نفسها خصوصاً إذا حوت كثيراً من الأكاذيب وقدراً وافراً من الخداع وشيئاً من التضليل.
كتبت شيماء الصباغ على صفحتها على موقع «فايسبوك» يوم 14 الجاري ما يفيد ترددها في النزول إلى الشارع في ذكرى الثورة، على أساس أنه لا جدوى منه، وقالت نصاً بالعامية المصرية: «انت يا ثوري تساوي إيه من غير جماهير، عملت إيه علشان توعي الجماهير، أقنعت كام واحد على القهوة أو في عائلتك بفكرك الثوري، طيب حاولت تنظم نفسك واللي حوليك؟ ودلوقتي عاوزين تنزلوا الناس وراكوا؟ انت ياض انت وهو وأنا معاكوا عملنا إيه علشان نوعي الجماهير، ابنوا نفسكم الأول وانزلوا للناس»، لكنها خضعت للابتزاز العاطفي والمزايدات من قيادات حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وهو حزب رسمي يظهر رئيسه كل يوم في الفضائيات ويشارك في اجتماعات رسمية ويستعد لخوض الانتخابات البرلمانية.
راحت شيماء ضحية حسابات سياسية خاطئة وإهمال أمني متكرر ومصالح المستفيدين دائماً من الدماء والجنازات.
الحياة – وطن اف ام