مقالات

باسل الحاج جاسم: تركيا إلى مرحلة جديدة

نظر الى أول اجتماع لمجلس الوزراء التركي هذا العام باهتمام غير مسبوق، على المستوى الداخلي لتركيا، وكذلك إقليمياً ودولياً، لما يحمله ترؤس الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إياه من أبعاد على الواقع السياسي التركي، وتأثيرات على مستقبل البلاد.

ويُذكر أنه، في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية التركية، في أغسطس/ آب الماضي، والتي جرت، للمرة الأولى، في الاقتراع الشعبي المباشر، وفاز فيها من الجولة الأولى أردوغان الذي صرح، مراراً وتكراراً، أن الدستور الحالي يمنح القوة التنفيذية لرئيس الجمهورية الذي يأتي إلى الرئاسة، بالتصويت الشعبي، تماماً كما منح دستور 1982السلطة التنفيذية، لقائد الانقلاب في عام 1980 الجنرال كنعان إيفرين.
لن يكون ترؤس أردوغان اجتماعات الحكومة في بلاده أمراً مخالفاً للدستور الذي يعطيه الحق في ذلك، لكن من سبقوه في المنصب لم يحرصوا على حضورها، ويرى مراقبون أن ممارسته هذا الحق تعكس رغبته في توسيع صلاحياته. وقد أوردت وسائل إعلام تركية عديدة أخباراً ووثائق تؤكد أن أردوغان لم يأت ببدع من الأمر، حين أعلن نيته ترؤس الاجتماع الوزاري لأول مرة، حيث سبقه إلى ذلك خمسة رؤساء سابقين، إلا أن الحال يختلف مع أردوغان، من حيث السياق والخلفية.
وكان أردوغان قد أعلن، صراحة، في برنامج حملته الانتخابية لمنصب الرئاسة، أنه سيعمل على صناعة تحول نوعي في صلاحيات رئاسة الجمهورية، وقال، في إحدى خطبه أمام كتلة حزب العدالة والتنمية النيابية، إن منصب رئاسة الجمهورية لن يكون بروتوكولياً. وأضاف: “في الماضي، كانت الحكومة تقدّم ممثلة للشعب، فيما تقدم رئاسة الجمهورية ممثلاً للدولة، سنلغي المسافة بين الدولة والشعب، وستقوم الحكومة المنتخبة، مع الرئيس المنتخب، بإدارة البلاد”.
وكان الأتراك قد صوتوا عام 2011 على تعديلات طفيفة على الدستور، أهمها انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، ما جعله يتمتع بصلاحيات أوسع، لكن الكتل البرلمانية أخفقت، حينها، في التوافق على تعديلات جذرية، بسبب الانقسام بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحلفائه من جهة وأحزاب المعارضة من جهة أخرى.
ويمنح الدستور التركي رئيس الجمهورية صفة رأس الدولة ومرجعية لها ويخوله مسؤولية حماية الدستور، وتنسيق العمل بين المؤسسات المختلفة. وعلى الرغم من أن الرؤساء الأتراك ظلوا يحظون تقليدياً بمنصب شبه فخري، إلا أن الدستور، وبحسب المادة 104 منه، يعطي الرئيس صلاحيات ليست هامشية أو شكلية، وترتبط بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مثل دعوة المجلس الوزاري للانعقاد وترؤس اجتماعه، ودعوة مجلس الأمن القومي للانعقاد وترؤس اجتماعاته، وتعيين رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، وإعلان حالة الطوارئ، وتعيين رئيس وأعضاء مجلس الدولة للرقابة، وغيرها الكثير.
ما اختلف في حالة أردوغان عن سابقيه أنه الأول في تاريخ الجمهورية التركية الذي انتخب من الشعب وبشكل مباشر، إضافة إلى فوزه بنسبة تفوق نسب كل الأحزاب التركية الموجودة على الساحة، بما فيها حزبه الحاكم، وهو ما يعطيه، من الناحية العملية، إضافة إلى الصلاحيات الدستورية النظرية، شرعية لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها بسهولة. والواضح أن الأمر لن يتوقف على رئاسة مجلس الوزراء في اجتماعاته، بل سيتابع أردوغان أعمال الحكومة والتنسيق معها، بتشكيل لجنة تتولى متابعة أحداث العالم كله، وتؤدي مهمتها كمستشارية للرئيس، وستوجه التوصيات للحكومة التركية، وسيتلقى أردوغان التوصيات من اللجنة، وينقلها إلى رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، في لقاءات تتم بينهما.
ويخشى مراقبون أن تؤدي الطريقة التي يريد الرئيس إدارة شؤون البلاد من خلالها إلى تضارب المؤسسات بدل التنسيق بينها، من حيث إنه لا توجد حدود فاصلة دستورياً، وبشكل دقيق، بين صلاحيات الرئيس ورئيس الحكومة، وهذا ما أشار إليه أردوغان نفسه في لقائه مع قيادات في حزب العدالة والتنمية “هناك حاجة للنظام الرئاسي، حتى يكون هناك تناغم بين الرئاسة والحكومة”.
فالاستفتاء الذي سمح بالانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية افتقر إلى تعديل مواز لصلاحيات الرئيس، ويسعى حزب العدالة والتنمية إلى تحقيق انتصار كبير في الانتخابات البرلمانية المقبلة، يتيح له تحقيق أغلبية مع حلفائه، تمكّنه من تمرير تعديلات دستورية، أو صياغة دستور جديد، ليتمكن من تجاوز معضلة الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الوزراء، أو سيكون “العدالة والتنمية” بحاجة إلى تحالف سياسي ما أو صفقة سياسية، وربما يكون طرفها الآخر حزب الشعوب الديمقراطي (ذا الجذور الكردية)، تتضمن خطوات حكومية في عملية السلام، في مقابل دعم الأخير مشروع الدستور الجديد.
وفي حال تعذر ذلك، فإن أية مفاجآت في الانتخابات المقبلة، أو أي خلاف محتمل بين أردوغان – أوغلو (أو بين أردوغان وأي رئيس حكومة) يمكن أن يؤدي إلى مشكلات تعصف بالنظام السياسي المستقر في البلاد، وهو ما لا يريده أحد في تركيا التي تسير في طريق أشبه بحقل ألغام، في منطقة مشتعلة على الأصعدة كافة.
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران المقبل، ثمة قلق من القيام بمحاولة ما لنزع الاستقرار في البلاد، والحذر كله يبدو، في هذه المرحلة، من قضايا الإرهاب وعملية التسوية الداخلية، وكلما اقتربنا من موعد انتخابات العام الحالي 2015 ، قلّتْ فرص التعرض إلى تركيا بنسبة كبيرة.

العربي الجديد _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى