مقالات

عهد الهندي :في واجبات المعارضة السوريّة

يبدو جلياً أن إدارة الرئيس أوباما تتبنى منهجاً سياسياً غير تدخلي في سورية، إذ حاول أوباما منذ وصوله إلى الرئاسة وبكل الوسائل الابتعاد عن المنطقة والتدخل في شؤونها. وستقدم إدارته دائماً كل الذرائع لعدم التدخل ومنها عدم قدرة المعارضة على طرح نفسها بديلاً.

فثمة سؤال يطرح دائماً في الغرب: كيف ندعمكم كمعارضة للأسد وقد أثبتم فشلاً ذريعاً في حكم المناطق المحررة؟ فهذه المناطق تغص بمعسكرات تدريب تابعة لمنظمات إرهابية تصدّر شرها إلى الغرب؟
ينتشر «داعش» اليوم في كثير من المناطق المحررة، ولديه أكثر من 3000 مقاتل من حملة الجنسيات الغربية، ما يشكل ذعراً حقيقياً لدى قادة الدول الغربية في حال عودة هؤلاء إلى بلدانهم. وفي ظل شراكة بين الغرب وتيارات عسكرية في العراق، الجيش كان أم البيشمركة، تبقى ساحة سورية خالية من أي شريك. وليس من المفاجئ أن تلمح بعض الشخصيات الغربية إلى ضرورة استخدام الأسد لقتال «داعش»، إلا أن حصول هذه الشراكة أشبه بالمستحيل فيما النظام متهم بجرائم عدة أهمها استخدامه السلاح الكيماوي.
المعارضة تقف اليوم على بعد خطوة من فرصة تاريخية، ضارة نافعة. فالشرر «الداعشي» سيدفع الغرب إلى بناء شراكة حقيقية مع تيارات سورية، في حال أثبتت الأخيرة قدرتها على حكم الأماكن المحررة وطرح نفسها كبديل حقيقي.
والحل مع «داعش» ليس عسكرياً فحسب، ولا تقوم المعارضة باختراع العجلة حينما تكرر هذا في كل لقاءاتها بقادة الدول الغربية. إلا أن على المعارضة أن تعي ما تقول، فإن كانت مؤمنة بأن الحل ليس عسكرياً، عليها أن تطرح خطة عمل متكاملة لكيفية حكم الأماكن المحررة وإعادة إعمارها، وبناء وحدات الإنتاج فيها، وهذه تتضمن وجود قوة عسكرية مدربة تفرض الاستقرار فيها. وفي حال نجحت المعارضة في وضع نفسها في الخطوط الأولى لقتال «داعش»، على أسس فكرية وليست مناطقية كما حصل سابقاً، فالمرجح أن يضطر الغرب لعقد شراكة معها وتوفير غطاء جوي يحمي وجودها أفراداً ومؤسسات في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ويمكن العلاقات بين المعارضة ودول غربية أن تساعد في إبرام عقود شراكة مع شركات مختصة بإعادة الإعمار، ما يساعد في بناء اقتصاد حقيقي في المناطق المحررة، ما يجعلها مثالاً يحتذى مقارنةً بالأماكن التي يحكمها الأسد وتعاني من مشاكل عدة وشح في الخدمات.
قصّة نجاح كهذه ستشجع الدول الغربية على مواصلة دعمها للمعارضة، ليس لمقاتلة «داعش» فحسب، بل لتحرير باقي سورية أيضاً، أو للوصول إلى حل سياسي حقيقي ومستدام يضمن خروج الأسد. أما حالياً، ووفقاً لمنظور المصلحة الغربية، فأي دعم عسكري للمعارضة من دون وجود خطة لديها، سيؤدي إلى تقوية «داعش» أكثر، وتوسيع رقعة الأماكن التي يحكمها.
فعلى المعارضة أن تطرح نفسها شريكاً حقيقياً للغرب، ليس على مستوى الخطاب فحسب، بل على المستوى السياسي العملياتي أيضاً. الغرب قدَّم، مباشرة وفي شكل غير مباشر عبر الدول العربية، الكثير من الأسلحة التي وجدها بين يدي تتظيمات كالنصرة و «داعش»، ودعم كتائب مثل «حزم»، التي قامت، بعد تلقيها هذا السلاح، بعمليات مشتركة مع «جبهة النصرة»، أي، تنظيم «القاعدة»، العدو الرقم واحد للغرب.
وكان على قادة المعارضة أن يتقدموا الصفوف في تظاهرات باريس المناهضة للإرهاب. كان عليهم أن يعقدوا اللقاءات للحديث عن ضرورة الشراكة بينهم وبين الغرب لإيقاف الشر «الداعشي»، ولإعادة إعمار المناطق المحررة، وإعادة قسم من اللاجئين ممن يشكلون أزمة لبعض الدول. إلا أن أياً من هذا لم يحصل. منذ أيام كنت في لقاء مع ديبلوماسي غربي في نيويورك، وقد أخبرني متفاجئاً «أن غالبية المهاجرين السوريين إلى أوروبا من أصحاب الكفاءات والمهن، وهم يحققون نجاحاً يُقدر، لكن ما سبب فشل هذه المعارضة في طرح نفسها كمؤسسة؟». ربما كان عليَّ أن أجيبه بأن سبب ذلك أن غالبية أفرادها هي ممن كانوا عاطلين من العمل سابقاً.

الحياة _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى