مقالات

ثائر الزعزوع: هل يمكن ترويض الإسلاميين

هل الخلل يكمن في طريقة التعاطي مع مفردة «الجهاد» وفي وقوع المفسرين في أخطاء تترك مجالات للاجتهادات التي تؤدي إلى أهداف مثل التي نرى آثارها على أرض الواقع حاليا. لنفترض مثلا أن الجهاديين التكفيريين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية تطهير الكرة الأرضية من الكفر، والاستحواذ على العالم من خلال نشر الديانة الإسلامية وفق مفاهيمهم، ووفق معطياتهم التي نرى تجسيداتها على أرض الواقع كل يوم.

سلسلة طويلة من المواعظ الغاضبة ومن الممارسات المرعبة تبدأ بالجلد والحرابة ولا تنتهي إلا بقطع الأيدي والرؤوس، فلنفترض أن هؤلاء الإسلاميين قد هزموا ولاذوا بالفرار، وتفكّكت العصابات المنظمة التي ينتمون إليها، وصار لزاما عليهم أن يعودوا إلى الحياة الطبيعية، وأن ينخرطوا من جديد في المنظومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعاصرة، وأن يتخلوا عن أحلام الخلافة والولاية وما تخلّلها من سبي وعبودية، فهل يمكن للمجتمعات أو للأنظمة السياسية والثقافية العربية، تحديدا، أن تستوعب حالاتهم المختلفة التي تصب بمجملها في بوتقة الإرهاب، ومن ثم إعادة تأهيلهم وترويضهم ليصبحوا بشرا فاعلين، ومساهمين في مسيرة المجتمع، أو على الأقل غير معطّلين لها؟
يقف هذه السؤال حائرا أمام عشرات النماذج التي خرجت من بعض التنظيمات في وقت مبكر لأسباب كثيرة، أو تم إلقاء القبض عليها وقد أمضت فترات عقوباتها في سجون تأديبية بعضها قاس، وبعضها تعامل مع هذه الحالات وفق منهاج إعادة الإصلاح والتأهيل، وقد تمت مناقشتهم من قبل مختصين وعلماء دين، فأظهر بعضهم اقتناعا وعدلا عما كان عليه ظاهريا، وقد أصدرت بعض تلك الجماعات ما أطلق عليه بالمراجعات الفكرية كما حدث للجماعة الجهادية في مصر، وقد خرج قادتها من السجون المصرية وهم يظهرون تصالحا غير مسبوق مع نموذج الحياة المفروض عليهم، وقد تخلوا كليا عن فكرة الجهاد، واعتبروها من إرث الماضي الذي لا يريدون استرجاعه، ولا حتى تذكّره، وفيما أمضت جماعات أخرى فترات عقوبة طويلة، تعرضت خلالها لشتى أنواع التعذيب والعقاب، وقد ظهر لدى المحققين والسجانين الذين كانوا يحرمونهم حتى من الصلاة، أن سلوكهم قد تغيّر وأن تلك النوازع الجهادية التي كانت لديهم قد استؤصلت.
لكن الحقيقة أن كل ما قيل ثبت بطلانه فيما بعد، فقد اغتنم جميع الجهاديين الفرصة التي وفرتها الثورات العربية وعلوّ سقف الحريات الذي طالب بإشراكهم في المجتمع وفي الحياة السياسية، اغتنموا كل هذا ليعيدوا ترتيب أوراقهم، ويعودوا لممارسة ما يعرفونه، فبرزت أصواتهم من على المنابر يدعون بصوت مرتفع إلى الجهاد، والقتال لإعلاء راية الإسلام، ولم يتأخر واحد أو أكثر منهم عن حمل السلاح والالتحاق بركب الجماعات الجهادية حديثة التأسيس سواء في ليبيا أو سوريا أو حتى في مصر، وقد أثرت “خبرتهم الميدانية” التي اكتسبها بعضهم من القتال في صفوف تنظيم القاعدة في أفغانستان، وانتقالهم في أكثر من منطقة سواء في العراق أو في اليمن، أثر ذلك على الكثير من التنظيمات التي تكوّنت، وعلى وجه الخصوص في سوريا، ضمن ركب الثورة، ثم انحرفت شيئا فشيئا، لتسقط راية الثورة وتحمل عاليا راية الجهاد، ويتحول الحديث عن الحرية والكرامة إلى حديث عن دولة إسلامية، وقد حدث ذلك من قبل في مصر حين ملأ مئات الإسلاميين الشوارع رافعين شعار “الإسلام هو الحل”، ولم يخف بعضهم قدرتهم على النزول إلى الشوارع علانية، فرفعوا صورة كبيرة لزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.
ولعل متابعة أو رصد الكثير من الشخصيات التي تتزعم ما يعرف بالكتائب الإسلامية المقاتلة ضد النظام السوري يحيلنا، بالضرورة، إلى أن هذه الشخصيات قد أمضت سنوات طويلة في المعتقلات السورية، وقد ركبت على ظهر الثورة فور خروجها من المعتقل، في عفو رئاسي لا يخلو من دراية بأن إفساد الثورة إنما يتم بدفع مثل هؤلاء إلى مقدمة صفوفها، وقد نجح المخطط وأسفر عن تفكّك الجيش الحر، وعن تحول الثورة في الكثير من مراحلها إلى ثورة إسلامية تهدد وتتوعد، فأين يكمن الخلل في طريقة التعاطي مع أولئك الجهاديين؟
هل يكمن في أن السلطات التي كانت تعتقلهم لم تكن جادة أصلا في تأهيلهم ليكونوا تحت أيديها بمثابة ورقة ضغط يمكن التلويح بها في حال تعرضوا لأي استفزاز خارجي، وقد ردّد رؤساء الجمهوريات العربية التي شهدت ثورات شعبية تباعا، بدءا من تونس، مرورا بمصر وليبيا، وصولا إلى سوريا واليمن بأن الإسلاميين هم البديل عن أنظمتهم التي تحمل طابعا علمانيا؟ أم أن الخلل يكمن في طريقة التعاطي مع مفردة “الجهاد” أصلا وفي وقوع المفسّرين على كثرتهم في أخطاء تترك مجالات للاجتهادات الموجّهة، والتي تؤدي إلى أهداف مثل هذه التي نرى آثارها على أرض الواقع حاليا؟

العرب اللندنية __ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى