في خطاب جماهيري، حمل مخاطرة امنية مقصودة لكن محسوبة، وجاء غداة استهداف موكب اسرائيلي في مزارع شبعا، في ذروة حملة تهدف لترميم الروح المعنوية التي تضررت بالهجوم على موكب لحزب الله في القنيطرة الشهر الماضي، اعلن الامين العام السيد حسن نصرالله امس الجمعة «أن قواعد الاشتباك التي كانت قائمة بين إسرائيل والمقاومة انتهت وأن المقاومة سترد على أي اعتداء بالطريقة المناسبة وفي الزمان والمكان المناسبين»، وهو ما دعا الأمين العام لقوى «14 آذار» اللبنانية فارس سعيد، للتصريح بأن «نصرالله، أعلن نفسه الرئيس الفعلي للبنان»، في اشارة واضحة ان «السيد» استأثر عمليا بقرار الحرب الذي يمثل ذروة القرارات السيادية التي تخص عادة رئاسة الدولة والبرلمان والجيش.
وثمة حاجة هنا الى قراءة ما بين السطور في خطاب الامين العام، سعيا الى المعاني الحقيقية التي اراد ان يوصلها الى اطراف عدة، وخاصة اسرائيل، ومنها:
اولا: ان تهديدات نصرالله بالرد على اي هجوم اسرائيلي جديد لا تعني الذهاب الى حرب كاملة مع اسرائيل، بل شن هجمات على شاكلة استهداف مدرعة او موكب في مزارع شبعا كما حدث قبل يومين، وهو ما كنا توقعناه ابان الهجوم الاسرائيلي، بالنظر الى ان المعطيات العسكرية والسياسية لا تسمح للحزب بالدخول في مواجهة واسعة، وبينها وجود قوات كبيرة للحزب في سوريا، وهذه تواجه مهمة صعبة في ظل عجز كافة الاطراف عن الحسم العسكري.
ثانيا: احد الاهداف الرئيسية للخطاب كان تأكيد الرسالة التي اوصلها الحزب الى اسرائيل عبر قوات «اليونيفيل» التابعة للامم المتحدة في جنوب لبنان، ومفادها ان «الحزب ليس معنيا بالتصعيد مع اسرائيل»، غداة شنه الهجوم في شبعا قبل يومين. وكان نصرالله واضحا اذ قال» «نحن لا نريد الحرب ولكن لا نخشاها. الاسرائيلي يجب ان يعرف جيدا اننا رجالها واننا مجاهدوها واننا صناع نصرها.» ومن الواضح انه يحاول ان يثني رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن «الرد على الرد» في شبعا، واغلاق ملف هذه المواجهة على اساس «واحدة بواحدة». ولاشك في ان طمأنة اسرائيل هنا تعني طمأنة نظام الاسد ايضا، اذ ان ضرب اسرائيل المحتمل لقوات الحزب في سوريا، سيدفع ثمنها النظام السوري من امنه في المحصلة.
ثالثا: ان حديث الامين العام عن «تغيير قواعد الاشتباك مع اسرائيل» يهدف اساسا الى احداث ضجة اعلامية ولا يعبر عن واقع الصراع، والدليل على ذلك ان رد حزب الله جاء في مزارع شبعا التي لا تخضع للقرار الدولي 1701، اي انه في حقيقته رد محسوب بعناية فائقة، اذ يضمن عدم اعطاء حجة لاسرائيل لخرق القرار، ما قد يشعل الحرب ويضطر الحزب الى التفاوض على صياغة قرار دولي بديل للقرار المذكور الذي تحول عمليا الى ما يشبه «اتفاق هدنة او سلام» بين الطرفين.
رابعا: ان حديث السيد نصرالله عن هجوم القنيطرة باعتباره «عملية اغتيال» يدعم التكهنات التي تقول ان موكب قياديي حزب الله في القنيطرة كان يقوم بدراسة الجبهة، ليس لضرب اسرائيل، بل لمهاجمة قوات جبهة «النصرة» واخراجها من الجولان، على طريقة القلمون، سعيا الى تأمين العاصمة السورية القريبة. وتدعم هذا التحليل، دون قصد، الدعاية التي تنشرها وسائل اعلام الحزب، اذ تؤكد ان هجوم القنيطرة استهدف الرد على تهديدات نصرالله «التلفزيونية» لاسرائيل، بالرغم انها لم تكن سوى تكرار لتهديدات سابقة.
خامسا: كون ان رد حزب الله جاء من لبنان وليس من سوريا حيث حدث الهجوم الاسرائيلي، يتعارض مع ما قاله الامين العام، وروجت له وسائل اعلامه طوال الاسبوعين الماضيين، حول «وحدة جبهة المعارضة»، وان «الرد قد يأتي من اي مكان» كما قال امس. اذ ليس منطقيا ان تدخل ايران في حرب مع اسرائيل انتقاما لضرب موكب لحزب الله في سوريا، حتى اذا ضم قياديا في حرسها الثوري. كما ان الرئيس الاسد الذي تعرض للعديد من الهجمات المهينة من اسرائيل خلال الاعوام الماضية دون رد، لن يخاطر باضافة اسرائيل الى قائمة اعدائه، خاصة وقد ابلغته اكثر من مرة انها ليست معنية باسقاط نظامه.
واخيرا فان الامين العام بخطابه اراد ان يعطي زخما للحملة الاعلامية التي تصور الهجوم في شبعا على انه «معجزة عسكرية» الا انه لم يعط تفسيرا لحدوث هجوم القنيطرة، وما قد يعنيه من اختراق امني خطير للحزب، خاصة انه استهدف جهاد مغنية الذي كان بمثابة الأبن لدى نصرالله.
القدس العربي _ وطن اف ام