هل وصل المسلمون إلى حالة الانبطاح الحضاري التام؟ هذا ما تدل عليه الأحداث الجارية في العالم العربي والإسلامي بشكل عام، والتي لا تدع مجالاً لأي محلل، لاعتبار ما نعيشه حاليا، عرباً ومسلمين، حالة من الفوضى وفقدان بوصلة التقدم الحضاري المنشود في أغلب مجالات الحياة، وحالة من الانبطاح العام. لنسلم جدلاً بأن الإرهاب العالمي تتزعمه تنظيمات إسلامية، أو تدعي أنها إسلامية.
هل هذا مبرر لأن ينعت المسلمون بالإرهابيين، ويشار إليهم بأصابع الاتهام، كلما حدث انفجار هنا أو هناك؟ ثم نجد أنفسنا في دائرة الاتهام التي علينا أن نقسم الأيمان المغلظة، ونأتي بالبراهين الدامغة التي تبرئنا مما ارتكبه غيرنا. لا، بل علينا أن نستنكر ونندد، ونأتي بأحاديث وآيات قرآنية تعضد أقوالنا. ثم علينا زيادة في تأكيد براءتنا أن نخرج في مظاهراتٍ تضامنا مع صحف دانمركية وفرنسية وأسترالية وأميركية وكندية، التي هي نفسها تصفنا بالإرهابيين، لتأكيد حسن نياتنا. ولا بأس في تقديم التعازي في قتلى الفرنسيين والأميركيين، بل وحتى الإسرائيليين، لأن المعتدي والمفترض أنه يحمل اسما عربيا أو مكنى بأبي بكر أو أبي حفص أو حتى بأبي باذنجان يمثلنا كمسلمين. هل يتحمل الشعب الأميركي جرائم جيشه في العراق وأفغانستان واليمن وباكستان والصومال؟ وهل يتحمل الشعب الفرنسي جرائم جيشه في ليبيا ومالي والعراق وأفغانستان وأفريقيا الوسطى؟ وينطبق هذا التساؤل على كندا وإنجلترا وأستراليا و… هل يتحمل الغرب المسيحي إرهاب جيوشه في العالمين، العربي والإسلامي؟ هل اتهم أحد الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، بعد إدانة تيموتي ماك فاي، لدوره في تفجير مدينة أوكلاهوما في أبريل/نيسان 1995 والذي أودى بحياة 168 شخصا، ووضع المسيحيين جميعا في قفص الاتهام؟ وهل أدان العالم المسيحيين، لأن كنائسهم احتضنت نرويجياً، هو أندريس بريفنيك، صاحب هجوم أوسلو الذي أسفر عن مقتل 77 شخصا، والذي ينتمي إلى اليمين المسيحي المتطرف؟ ثم هل احتاج المسيحيون إلى رد الإدانة عن أنفسهم، كما نفعل نحن؟ لنسلم يقيناً بأن جل الإعلام الغربي؛ وخصوصاً منه المملوك للوبيات يهودية وصليبية، يتعامل بشكل انتقائي مع الإرهاب العالمي، مما يمكن أن يعتبر إرهاباً، ومما لا يمكن أن يعتبر كذلك. وهنا تأكيد على أن الإعلام الغربي هو الذي يسوق الأحداث في العالم، في غياب تام للإعلامين، العربي والإسلامي، وهذا تحد لا بد من أن نخوضه بمبادرات فردية أو مؤسساتية أو على صعيد الأمة، فالإعلام انتقل من سلطة الرقابة والنقد والإخبار إلى مؤسسات تصنع الأحداث، وتوجهها حسب مصالحها ومصالح القائمين عليها. ومن الإنصاف أن نذكّر بحياد صحافيين غربيين مستقلين، حتى لا نسقط في فخ التعميم القاتل. وللإنصاف أكثر، للمسلمين دور في تكريس هذه الصورة النمطية التي ينظر إليهم عبرها. فلماذا علينا أن نستجدي العالم بعد كل حادث، إرهابياً كان أو غير ذلك، من أجل أن يمنحنا صكوك البراءة والغفران؟ كم من الطاقة والجهد والوقت، نبذله من أجل تبرئة ساحتنا، مع أننا نعلم علم اليقين أننا بريئون مما نتهم به؟ لماذا علينا أن نعتذر عن شيء لم تقترفه أيدينا؟ لماذا يتوجب علينا أن نتوجه إلى باريس، للتضامن مع صحيفة تقتات من أعراض الناس، ومن كرامتهم، ومن معتقداتهم؟ والأدهى أن نقف مع بنيامين نتنياهو في المظاهرة نفسها، وهو عار على جبين فرنسا والفرنسيين، وعلى جبين كل من وقف متظاهراً مع هذا الإرهابي الذي يقود أكبر دولة إرهابية في الشرق الأوسط كله. كيف يعقل أن فرنسا لم تعترف، إلى الآن، بمسؤوليتها عن القتل الذي اقترفته في الجزائر 130 سنة من الاحتلال؟ كيف نسينا أبو غريب والفلوجة وغزة ومعتقل غوانتانامو؟ كيف نسينا الطائرات بدون طيار والتي قتلت الآلاف في مناطق القبائل في باكستان واليمن؟ كيف نسينا زلات لسان بوش التي تفضح مكنونات العقل الصليبي؟ معنا أو ضدنا، لا مجال للحياد…مع قوى السلام أو مع الإرهاب. متى كانت أميركا قوة سلام؟ إنها دولة قائمة على الطغيان والاستكبار، وعلى الدسائس الخارجية والاستخبار والتدخل في شؤون الدول، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالقوة العسكرية إن لزم الأمر، ولا حاجة لها لاستصدار أمر من الأمم المتحدة، إذا كانت أميركا تتجسس على أقرب حلفائها، فماذا عساه يكون الأمر مع من يعتبر عدواً لها؟ ننفذ سياسات أميركا، ونخوض حروبها نيابة عنها، ثم نلومها بعد ذلك؟ حكوماتنا هي التي تنفذ سياسات أميركا في محاربة الإرهاب والانقلابات والدسائس. وهي التي تخوض حالياً معركة تركيع روسيا بسلاح أسعار النفط المتدنية، بعد أن فشلت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أميركا وأوروبا عليها. وحكوماتنا هي التي تحاصر الفلسطينيين في غزة، بدعوى اتفاقيات سلام مع كيان مغتصب قاتل. وطالما نحن خاضعون لأهواء حكام ديكتاتوريين متسلطين، لا يفرقون بين مصلحة شعوبهم وبلدانهم وبين مصالحهم الأنانية ومصالح الغرب الاستعمارية، فلن نستطيع أن نقيم دولة حضارية ديمقراطية، تتجلى فيها مظاهر العدالة الاجتماعية والاقتصادية والحرية الفردية والقائمة على تكافؤ الفرص واستغلال الموارد البشرية، في ظل من الحكامة والرشد.
العربي الجديد _ وطن اف ام