ما بعد عملية مزارع شبعا ليس كما قبلها، هذه هي الأجواء التي يصرّ المقربون من حزب الله على إشاعتها غداة رد حزب الله على الاعتداء الإسرائيلي في القنيطرة السورية والتي ثبّتت في رأيهم معادلة العين بالعين وأجهضت المحاولات الإسرائيلية لتعديل قواعد الاشتباك.
وبحسب المقربين من الحزب فإن العدو الإسرائيلي الذي كان قلقاً قبل العملية زاد قلقه بعدها، فسرعة وحجم ومكان الرد كلها عوامل جعلت حالته تزداد تأزماً على المستويات العسكرية والاستخباراتية وحتى السياسية.
وهكذا وبعد انقشاع الصورة يمكن تلخيص الوضع بأن حزب الله ضرب ضربته المدوزنة قانونياً وعسكرياً، فابتلعت إسرائيل الضربة. وبعد قذائف «فشّة الخلق» أوحت إسرائيل بأن الرد طبق بارد، وأوحى وحزب الله بأن الرد الانتقامي لن يكون الأخير بدليل إصداره البيان الرقم 1 ما يعني أنه قد تكون هناك بيانات متسلسلة.
أما لبنان الرسمي فاستوعب بدوره عملية الحزب علماً أن ليس بيده أي حيلة حيال استمرار حزب الله بالتفرد بقرار الحرب والسلم. وجاءت وقائع جلسة مجلس الوزراء الخميس لتخالف التوقعات في شأن ما كان منتظراً أن يثار حول تطورات الجنوب، إذ في ظل صمت معظم الوزراء انفرد وزير واحد هو وزير الكتائب سجعان قزي بمناقشة الموضوع، فقال «إن الواجب يقتضي اتخاذ موقف نظراً إلى احتمال تورط لبنان في مخاطر من نوع حرب عام 2006، ويجب عدم الاكتفاء بالتطمينات الدولية والنيات الاسرائيلية». في وقت لفت أن الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط عاد ليقوّم ايجاباً عملية حزب الله في مزارع شبعا واصفاً إياها بأنها «رد مدروس في منطقة حيث السيادة متنازع عليها ومحتلة اسرائيلياً». ومع أنه فضّل «نظرياً فصل لبنان عن سوريا»، قال: «لنكن واقعيّين كلبنانيّين هناك أمور نستطيع معالجتها وأخرى لا نستطيع، وإذا خرج البعض ليقول مزايداً لنطبّق إعلان بعبدا فهذا أمر مستحيل اليوم». وفيما أعاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ترسيم الخطوط الحمر بحضور إيراني مميز عبّر عنه حضور ضيف المقاومة رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي في مقدمة المشاركين، إلا أن الحضور الإيراني الأبرز عبّرت عنه الزيارة الخاطفة والسرية لقائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» الجنرال قاسم سليماني الذي وفور وصوله إلى بيروت التقى نصرالله وعدداً من كبار المسؤولين في الحزب، وزار بعد ذلك منزل عائلة الشهيد جهاد عماد مغنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وانتقل بعيد منتصف الليل إلى «روضة الشهيدين» في الشياح ووضع اكليلاً من الورد على ضريح عماد وجهاد مغنية، وتلا سورة الفاتحة، قبل أن يغادر بيروت في الليلة نفسها عائداً إلى طهران.
بناء على ما تقدم، يبدو أن إسرائيل وحزب الله قررا على الأقل مؤقتاً طي صفحة الحساب العسكري المفتوح بينهما، والاكتفاء بهامش الردود الموضعية المحدودة في الزمان والمكان بفعل الضغوط الدولية الممارسة على أعلى المستويات من أجل لجم التدهور في المنطقة. وقبلَ عمليّة شبعا، لم يَكُن هناك شَكّ بحسب المقرّبين من حزب الله في أنّ الحزب لن يردّ على الاعتداء الإسرائيلي الأخير على كوادره في القنيطرة، لكن بعد حصول هذا الردّ في مزارع شبعا، هناك شَكّ كبير في أن ترد إسرائيل عليه.
ويرى البعض انّ السقف الاقليمي- الدولي يستطيع ان يحسم النزاع عند نقطة التعادل، وبحسب سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة فإن «إسرائيل لا تدخل في معركة كبيرة من دون ضوء أخضر أمريكي وأقلّه ضوء أصفر وهذا الضوء ليس موجوداً الآن، وفي الوقت الحاضر هناك خلافات بين بنيامين نتنياهو وباراك أوباما تعرقل ضوءاً أمريكياً من هذا النوع». وقال السفير طبارة «أمريكا لا تريد أي مشاكل في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر لأنها تخرّب لها المفاوضات الجارية حول الملف النووي مع طهرن، علماً أن الكونغرس يتمنى أن تخرب المفاوضات ولكن الإدارة الأمريكية لا تريد أي حرب في المنطقة كحرب 2006 لأنها تخرّب لها المفاوضات».
ورأى طبارة «أن حزب الله لم يوسّع قواعد الاشتباك التي تحكم الامور وهو اختار للرد المكان الأقل خطراً والذي تقع خارج القرار 1701 ، ولو رد حزب الله في الجولان أو في الارجنتين أو في أي مكان آخر لكان خرج على قواعد الاشتباك وفتح جبهة جديدة».
القدس العربي _ وطن اف ام