مقالات

مصطفى كركوتي : طموح إيران مفهوم ولكن ما هو طموح «حزب الله» ؟

السؤال مشروع ومُلِحّ ولا بد أن تكون هناك مناقشة داخل قيادة ميليشيا «حزب الله» اللبنانية حول نجاعة دور جيشها في الإقليم. وإن كانت مناقشة كهذه ممنوعة، فيُفْترض أن يُسمح بها لصالح «الحزب»، وصالح النسيج الطائفي في لبنان ومستقبله ومكانة طائفة «الشيعة» فيه.

فهذا الدور لن يمرّ مرور الكرام في أرشيف التاريخ المعاصر لديموغرافيا المنطقة ولا في الذاكرة الجمعية لشعوبها، لا سيما أنه ملتصق بقوة بسياسة إقليمية شاملة في المنطقة وما ورائها لإيران، كإحدى أهم دول الإقليم الكبرى في هذه المرحلة، إذ ليس سورية فيها إلا واحدة من تفصيلاتها المعقدة. هذه السياسة الإقليمية لن تسود طويلاً في المنطقة، لأنها تصطدم بجملة من المصالح لقوى إقليمية أخرى مثل تركيا والجزء الآخر من الخليج. وهذا يعني أن ثمة تفاهمات حول المنطقة لا بد أن يتم في النهاية التوصّل إليها بين القوى النافذة فيها، وإلا فالبديل حرب طاحنة.

ولكن في هذه الأثناء، يبقى استمرار الحرب في سورية بكل توحشّها، هو الاحتمال المرجح لسنوات عدة، لا سيما بعد دخول غول تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» (داعش) ساحة الحرب. صحيح أن «حزب الله» شارك في هذه الحرب قبل ظهــــور «داعش»، إذ أرسل عناصره لدعم نظام دمـشـــق فــــي الدرجة الأولى، وإنقاذ قواته التي كادت تندـــحر أمام قوات انتفاضة «الجيش الحــر» والتحرك الشعبي العارم في العديد من المدن السورية بدءاً من أواخر عام 2011.

وعلى رغم التفسير السياسي الذي يقدّمه «الحزب» لهذا الدور، بأنه جزء من تحالف «المقاومة والممانعة» الذي يجمع إيران ونظام بشار الأسد و»حزب الله»، وتعجيله في تصنيف المناوشة الأخيرة بيـــنه وبين إسرائيل، المرتّبة بدقة في جزءيها القنــــيطرة ومزارع شبعا، للتأكيد على ذاك التحالف، فالذي يجعل من دور «حزب الله» في هـــذه الحرب إجراءً يتعذّر مغفرته هو مساهمته الكبرى في تعميق آلام السوريين بشكل غير مسبوق.

وواضح أن «الحزب» نتيجـــة هذا الدور، بات وكأنه لا يعبأ بمكانته الــــوازنة والحاسمة في الحياة البرلمانية في لبنان، وهي المساحة الديموقراطية –على رغم شوائبها- الفاعلة في المنطقة العربية. صحيح أنه يصعب لعربيٍ ذرف الدموع على جندي إسرائيلي معتدٍ إذا صُرِع فوق أي أرضٍ عربية الآن أو في المستقبل، ولكن في ظل العدد المتصاعد يومياً للقتلى والمشردين في سورية وخارجها، وحجم الخراب والتفتيت المجتمعي والبشري والإنساني والجغرافي فيها وفي عدد آخر من دول عربية مهمة، فقد بات ترويج المواجهة مع «العدو الصهيوني» على أساس فلسفة تحالف «المقاومة والممانعة»، بضاعة غير رائجة وتكرار الكلام في هذا الشأن أصبح كمن يضرب في الميت.

واضح أيضاً كيف أن طبيعة المواجهة الأخيرة مع إسرائيل تختلف، من حيث المضمون والنوع، عن أي مواجهة سابقة بين الطرفين، والأهم هو اختلاف الظروف والأولويات السياسية بشكل ضخم الآن عن أي ظروف سابقة.

فـ»الحزب» يكون في هذه الحالة وكأنه يخوض، تحت مظلة الراعي الإيراني، حرباً بالتوازي على ثلاث جبهات من خـــلال دوره في سورية: الأولى والأهم، الدعم الفعال لقوات نظام الأسد فاقد الصلاحية منذ بدئه تنفيذ برنامج قتلٍ منظّمٍ لمـــواطنيه منذ عام 2001، والثانية المناوشة مــع إسرائيل، والثالثة حرب إيران الإقليمية التـــي تهدّد معظم دول الإقليم العربي، لا سيما الوحدة الوطنية للبنان ومصالح مغتربيه الواسعة العاملة في الخليج، وربما في ما وراء الخليج أيضاً.

ولا شك في أن قيادة «حزب الله» تدرك أبعاد مخاطر الارتباط مع طرفين لا يجمع بينهما أي شيء مشترك في المدى البعيد أو حتى المتوسط: الأول، نظام في دمشق لا يوجد أي تبرير أخلاقي لحمايته والدفاع عنه، لارتكابه إثم القتل الجماعي في حق أفراد شعبه وفق وثائق دولية مستقلة، حيث بات مصيره محتوماً مهما طالت فترة ضرورته المؤقتة، والثاني نظام في طهران طموح وتوسعي، لا حدود لتطلعاته، تحت سقف تفاهمات وتقاطع المصالح الأميركية-الإيرانية والتي من ضمنها الملف النووي.

في كل الأحوال، إن ما سيبقى في ذاكرة السوريين الجمعية، هو دور «حزب الله» في إنقاذ نظام دمشق في لحظات دقيقة من شهر نيسان (إبريل) 2013، عندما حسمت قوات «الحزب» المواجهة في بلدة القصير الاستراتيجية لصالح النظام، الذي كانت قواته على وشك الانهيار وخسارة شريان الحياة بينها وبين لبنان، وقبل وقت طويل من ظهور «داعش» في ساحة الحرب لا في سورية فحسب، بل وحتى في العراق. حدث ذلك بتأييد ورعاية إيرانيين شاملين، وصمت أميركي-أوروبي مدوٍّ، ومتابعة إسرائيلية قلقة. ولهذا، فإن دور «الحزب» في حماية دمشق من السقوط بيد قوات التحالف الوطني و»الجيش الحر»، سيسجَّل في أرشيف التاريخ من وجهة نظر سوريين كثر بأنه أبرز طعنة بحقّهم.

فمعركة القصير التي لم يكن خبراء الأمن الإيراني بعيدين عنها، تحت إشراف مباشر لرئيس «قوات القدس» التابعة لـ»الحرس الثوري الإيراني» الجنرال قاسم سليماني، ضمنت صمود ثالث أكبر مدن سورية، حمص، وأمّنت سلامة التموين والتعبئة على طول الطريق الرئيس الواصل إلى دمشق.

وسيسجّل أيضاً في أرشيف التاريخ المعاصر، كيف أن إيران ومعها «حزب الله» ساهمت في فقدان جيل كامل من الأطفال في سورية، إثر تفكيك الأسر وتهجيرها من مناطق سكنها قبل وقت طويل من وصول «داعش» إلى البلاد، فاق عددها عشرة ملايين نسمة.

فوفقاً لأرقام الوكالات الدولية، هناك حوالى أربعة ملايين ونصف المليون طفل في أمسّ الحاجة الى الرعاية الإنسانية، وعشرة ملايين نسمة من النازحين، وأكثر من 5،3 مليون مسجلين كلاجئين في الدول المجاورة، فضلاً عن وجود ثلاثة أرباع السكان عند خط الفقر، و45 في المئة من دون تحصيل تعليمي. ولذلك، مهما حاول «حزب الله» تبرير دوره في سورية بأنه يقع في إطار «تحالف المقاومة والممانعة» في الظروف الراهنة، فالحقيقة المؤلمة تخبرنا غير ذلك، إذ إن وضع اليد بيد نظام دمشق الدامية، لا يخفّض من مكانة وقيادة «حزب الله» الشعبيتين فحسب، بل يجعله يبدو وكأنه بات أداة بيد إيران الطموحة في الإقليم أيضاً.

الحياة _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى