مقالات

فايز سارة : دوما: من التغيير الى التدمير

عندما اندلعت ثورة السوريين ضد نظام الاسد، كانت مدينة دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية في مقدمة المدن التي انخرطت في الثورة، حيث اطلقت دوما تظاهراتها السلمية في وجه النظام من اجل الحرية والتغيير الديمقراطي، الامر الذي ادى الى شن حملات شديدة من جانب النظام على دوما والمناطق المحيطة بها، والتي شاركت في الحراك السياسي والمدني في دوما.

وكانت عمليات النظام العسكرية والامنية العنيفة، التي طالت مدينة دوما ومحيطها بين الاسباب الاساسية لبروز العسكرة وبدء العمل المسلح من جانب الاهالي ضد النظام في منطقة الغوطة الشرقية وفي دوما على وجه الخصوص، فولدت اولى تشكيلات الجيش الحر لتتعايش الى جانب الحراك السياسي والمدني في المنطقة، ومع تنامي اتجاهات اسلمة الثورة، بدأت الانقسامات تتبلور مابين اتجاهات في صفوف معارضي النظام، فظهر تيار الاسلمة وابرز تعبيراته جيش الاسلام، منفصلاً عن الاتجاه العام للحراك السياسي المدني والعسكري، ثم مالبث الاتجاهان ان دخلا في منافسات، ادت الى صدامات سياسية، تحولت لاحقاً الى عمليات سيطرة عسكرية، هدفها احكام سيطرة اتجاه الاسلمة على المدينة ومحيطها، مما رسم اول ملامح التغيير في المدينة. والابرز في مسارات التحول الى سيطرة الاسلمة في دوما ومحيطها، تمثل في مسارات ثلاث، اول المسارات، كان في توسيع دائرة السيطرة الايدلوجية والسياسية الاسلامية، والتي لم تستخدم فيها الانشطة الدعوية فقط، وانما استغلت فيها عمليات الاغاثة والمال السياسي، وجميعها اساليب تم استخدامها في مناطق سورية اخرى من تشكيلات اسلامية وخاصة في المناطق المحاصرة ومنها مدينة دوما، والتي فرضت قوات النظام عليها حصاراً خانقاً منذ وقت مبكر. وجاء ثاني المسارات عبر دخول التشكيلات المسلحة ساحة التفاعلات الداخلية من خلال حركة متواصلة من الاتحادات والانقسامات، قبل ان تتخذ شكل صراعات عنيفة، هدف كل طرف الى تعزيز مواقعه داخل المدينة وفي محيطها، وهو امر لم يكن بمعزل عن تدخلات وتجاذبات في مستوى الصرعات الجارية في مناطق اخرى من البلاد، وخارج استمرار قصف النظام للمنطقة وهجماته من اجل اعادة السيطرة عليها، وكان الاكثر خطراً في تلك الصراعات، قيام جيش الاسلام بتصفية جيش الامة الذي كان جزءاً اساسياً في جيش الاسلام، وقد تمت تصفية قياداته ومعظم كادراته بما في ذلك قائد جيش الامة احمد طه في دوما خلال معارك الشهرين الاخيرين. والمسار الثالث في مسارات التحول في دوما نحو سيطرة الاسلمة، تمثل في اشاعة العنف الداخلي عبر سلسلة من تفجيرات وعمليات الاغتيال، والتي لم يكن النظام بعيداً عنها، لكن قواها الداخلية، كانت حاضرة ايضاً، والمؤشر الابرز على حضور القوى الداخلية، كان في استهداف شخصيات من المعارضة وقادة في الحراك السياسي والمدني، كما في اغتيال عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي محمد سعيد فليطاني، كما شملت الاغتيالات شخصيات عسكرية كانت على خلاف مع جيش الاسلام وزعيمه زهران علوش وبينهم أبو محمود نائب قائد لواء فتح الشام المنضوي تحت قيادة جيش الأمة، والشيخ بكري مرافق قائد جيش الأمة، وأبو عمار القيادي في لواء شهداء دوما، وأبو عمار خبية قائد الكتيبة الأمنية في لواء شهداء دوما. لقد غيرت تلك المسارات الواقع القائم في دوما، بحيث دمرت غالبية الحراك السياسي والمدني في المدينة، وفرضت عليها نوعاً من الاسلمة المسلحة وحيدة الجانب، التي تدين بالولاء لجيش الاسلام وزعيمه، واضعفت المدينة في استنزاف قواها البشرية وقدراتها على الصمود في وجه النظام والته العسكرية، الامر الذي وضعها على قائمة اهداف النظام سواء لجهة تدمير المدينة او اعادة السيطرة عليها. ومما لاشك فيه، ان التطور الاخير ممثلاً باعلان زعيم جيش الاسلام شن هجمات صاروخية على دمشق، اعطى نظام الاسد مبررات معلنة في تكثيف هجماته على دوما وكل منطقة الغوطة الشرقية، وجعله يكثف غاراته الجوية، التي اوقعت مئات من الضحايا في الاسبوع الاخير وحده في دوما في اطار حرب مفتوحة وفاضحة هدفها تدمير المدينة والسعي الى السيطرة عليها على نحو ماحصل في مدن سورية اخرى مثل القصير ويبرود. خلاصة الامر في تحولات دوما، ان تحولاتها من التغيير الى التدمير، لم تقتصر على ماقام به النظام من اعمال قتل وتدمير وحصار للمدينة وتهجير لسكانها، بل ان بعضاً من مفاعيل تلك التحولات، انما تمت عبر قوى وتشكيلات محلية، غلبت عليها الاسلمة ونزوع قواها الى السيطرة والاستفراد بالمدينة واهلها على طريق تحسين مواقعها، لكن ذلك قاد، ويقود الى هجمة النظام على المدينة ومحيطها بهدف التدمير او السيطرة، وقد يكون الاول طريق للثانية.

المدن _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى