مقالات

مأمون كيوان : الربيع الإسرائيلي لن يحل قريباً

ثمة من اعتقد أن إسرائيل لن تنجو من “تسونامي” الربيع العربي. وشكلت ظاهرة التحركات الاحتجاجات لرزمة حركات مدنية وحقوقية شهدتها إسرائيل قبل سنوات قليلة، خلفية هذا الاعتقاد. لكن تراجع تلك الظاهرة رغم استمرار وجود أسبابها الاجتماعية والاقتصادية أثار شكوكاً على صدقية هذا الاعتقاد.

وتضاف أسباب سياسية إلى الأسباب السابقة شكلت “إنزيماً” جدد نقاشات بدأت منذ نحو عقد ونيف من الزمن في إسرائيل حول شكل نظام الحكم المنشود كمخرج من أزمة النظام السياسي السائد ونقائصه وعيوبه الكثيرة، ومنها قصر عمر الحكومات الائتلافية وحالة عدم الاستقرار السياسي التي قادت مرات عدة إلى إجراء انتخابات مبكرة للكنيست.

إضافة إلى انعدام القدرة على اتخاذ القرارات لان جهاز الائتلاف الحكومي القائم في نظام الحكم الراهن يتعرض لضغوط متناقضة في اتجاهات عديدة وذلك في وقت يتوجب فيه على إسرائيل اتخاذ قرارات مصيرية. ويزعم إن طريقة الحكم الإسرائيلية تركز على التمثيل وتعدد الآراء وليس على الفاعلية السلطوية. وطورت من أجل ذلك الجمعية العامة لكل قرية تعاونية في فترة الانتداب البريطاني من قبل أن تكون هناك دولة وحكومة، وهي تشجع على عدم الاستقرار وتبديل الوزراء بصورة متكررة وتصعب عملية التخطيط الـمنظمة. من الـممكن والأجدر العودة إلى إدخال تعديلات على هذه الطريقة، ولكن يجب توخي الحذر من الحلول السحرية الشعبوية الطابع. وتجربة الانتخاب الـمباشر اعتبرت في وقت لاحق خطأ وحماقة.

وسبق لبنيامين نتنياهو وإيهود باراك أن أيدا تغيير شكل نظام الحكم وإتباع نظام حكم رئاسي. ويعني هذا الطرح إلغاء الفصل بين منصبي رئيس الدولة، الذي يعتبر منصبا رمزيا، ورئيس الوزراء. ويعود السبب لطرح فكرة انتهاج نظام حكم رئاسي إلى رؤية الإسرائيليين بان نظام الحكم الذي بموجبه يتم الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء قد فشل.  بينما كان مؤيدو أسلوب الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة يعتقدون أنه يؤدي إلى إصلاح سريع للوضع القائم . وأن الانتخاب المباشر لشخص رئيس الحكومة هو الأفضل لأن رئيس الحكومة لن ينتظر تكليفا من الرئيس لتشكيل حكومة. ولهذا ليس أمامه إلا الحصول على أصوات الناخبين دون علاقة لهم بأعضاء الكنيست.
وهدف طرح نظام حكم رئاسي، بصورة شبيهة للغاية للنظام الرئاسي المتبع في الولايات المتحدة الأميركية، إلى منح الرئيس صلاحيات واسعة، خصوصا في ما يتعلق بسن قوانين والمصادقة على ميزانية الحكومة. إلا أن الادعاء المضاد الأبرز ردا على هذا الطرح هو أن النظام الرئاسي يمنح الرئيس قوة كبيرة وصلاحيات واسعة للغاية. وفي مثل الوضع الحاصل في إسرائيل، حيث توجه اتهامات بالفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة وسوء استخدام السلطة إلى رئيس الوزراء لا يمكن الحديث عن زيادة قوته وصلاحياته.

وتمت المطالبة بانتهاج نظام حكم رئاسي كالنظام المعمول فيه في فرنسا حيث يمنح الرئيس طوال فترة رئاسته حصانة من التعرض لملاحقة قضائية على مخالفات قانونية ارتكبها. وهناك معارضون للنظام الرئاسي لأسباب تعود للتركيبة الاجتماعية بين اليهود في إسرائيل وانقسامهم إلى أشكناز وشرقيين ومهاجرين جدد روس… الخ. والأمر اللافت ارئيل شارون كان مؤيدا  لتغيير طريقة الحكم. وعندما صعد إلى سدة الحكم في العام 2001 مثل النظرة الـمحافظة وكان قراره الأول إلغاء الانتخاب الـمباشر لرئاسة الوزراء وإعادة الطريقة البرلـمانية.

 أقر الكنيست في السنوات الأخيرة الكثير من القوانين التي تحدد حجم الحكومة، ومسألة التنقلات بين الأحزاب وغيرها، وكان هناك اقتراح قانون يعزز صلاحيات رئيس الحكومة، على حساب الكنيست، وعلى حساب حكومته والقوى السياسية، وهو اقتراح رفض لأنه يحول إسرائيل إلى ديكتاتورية. وثمة من اعتقد من الإسرائيليين أن المبادرة لإجراء تغييرات في طريقة الحكم هي نكتة تافهة، أو فقاعة. ويبدو أن استنساخ الطريقة الرئاسية من أميركا أو طريقة الانتخابات البريطانية مسألة جيدة كشعار انتخابي، ولكنه غريب عن الثقافة السياسية الإسرائيلية. وبالنتيجة لن تكون انتخابات الكنيست القادمة سوى رقم جديد في سجل الانتخابات الإسرائيلية. وفضلا عن ذلك لا بد من التذكير أن النظام السياسي الإسرائيلي هو نتاج المرحلة التي وصلت إليها عملية تجسيد المشروع الصهيوني في فلسطين، فهو نظام سياسي لكيان استيطاني لم يتحول بعد إلى دولة استيطانية على شاكلة الولايات المتحدة الأميركية أو استراليا.
فضلاً عن أن إسرائيل هي ” جمهورية العسكر” لكونها “ثكنة” تكتسي زياً مدنياً، وغير خاضعة لنظريات الحكم المألوفة.

المدن _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى