خطأ كبير يقع فيه كثير من المثقفين والمثقفات عندما يعتقدون بأنهم ملزمون بأن يقفوا؛ إما مع الشرير أو مع من هو أشد شراً، هذا إذا اعتبرنا أن هناك فرقاً. الأمر ينطبق -تماماً- على تنظيم داعش والنظام السوري اللذين لا أرى أن كليهما يستحق الوقوف معه؛ فكلهم طغاة قتلوا أبرياء، وليست المحصلة بانتصار أحدهما ستكون إيجابية بأي حال من الأحوال.
بعد الحرب العالمية الثانية نشبت الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي، وهي معركة شرسة استخدمت فيها الدولتان كل الأسلحة الفتاكة (حروباً بالنيابة، إذ لم يحاربوا بعضهم بعضاً قط) والمناورات الاستخبارية والغزو الثقافي والدعم الاقتصادي، وكلنا يعلم النتيجة التي منيت بها الدولة السوفياتية بهزيمة ساحقة لأسباب كثيرة. منها: أنها كانت تهتم بالخارج على حساب الداخل. والعامل الآخر هو: أن ثرواتها الطبيعية لم تكن لتجاري القوة الاقتصادية الهائلة لأميركا، فأصبحت القضية بينهما عض أصابع بعض لم يتحملها الجانب السوفياتي.
ماذا كان دور العرب دولاً وشعوباً؟ كالعادة كان هناك تناقض تام ما بين الدول العربية، وكذلك في داخل الدول نفسها من تأييد للأميركان أو السوفيات، طبعاً انهيارُ السوفيات عجل بانهيار الأحزاب الشيوعية العربية أو أضعفها تماماً.
هذا يقودنا إلى السؤال في أعلى المقالة: لماذا كان على الجميع الخَيَار؟ لماذا لا نتعود على أن نكون محايدين؟ وبدلاً من مساندة طرف ضد آخر نبحث عن مصالحنا في المقام الأول؟
المثير للحيرة أن العرب بشكل ما اشتركوا في كل معضلات القضايا الدولية الراهنة، من فلسطين المحتلة -وهذا شيء مسلَّم به- إلى الأزمة اللبنانية والليبية واليمنية والتونسية والمصرية والسورية والعراقية والأوكرانية، ناهيك عن الانخراط الفعلي كما في سورية.
السعوديون جزء من العرب، وهو -للأسف- جزء مسهم وبقوة من خلال هذه الحماسة المنقطعة النظير لبعض شبابه، إن لم نقل أطفاله الذين يلجأون إلى «داعش» و«القاعدة» و«النصرة»، إذ يصبحون في فم المدفع؛ فيزج بهم في المهمات القذرة، التي تتطلب تفجيراً انتحارياً في عزاء أو مجمع تجاري أو حفلة عائلية، بدعوى أن هذا هو مفتاح الجنة.
ومن المؤكد أن كثيراً من السعوديين يتذكر التجربة الأفغانية، عندما ذهب كثير من شبابنا بدعوى الجهاد ضد السوفيات.. فماذا كانت النتيجة؟ كثير منهم قد قتل في هذه المعارك، وبعضهم استمر في أفغانستان بعد تحريرها وانخرط في الحرب الأهلية، التي دارت بين مسلمين ومسلمين، فيما عاد معظم البقية وهم محملون بسموم الإرهاب، وبدلاً من أن يضعوا خبراتهم العسكرية في خدمة وطنهم، حولوها إلى قنابل متفجرة ضد الأبرياء من مواطنيهم.
وإذ إن هناك نوعاً من التماهي معهم في البداية؛ بحكم أنهم أبناؤنا المجاهدون، فإن طريقة التعامل معهم لم تقدر خطورة ما يحملونه من أفكار، ولاسيما أن هناك من يوجههم من مريدي الداخل للأسف الشديد. وهنا اختلط الحابل بالنابل، وأصبح التحريض والتكفير وبث الكراهية ونشر الطائفية شيمتهم، وليس من العيب أن نعترف بقصور في التعامل وتقدير خطورة هذا التيار بعد أن وقع الفأس بالرأس، وعموماً أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً.
مرة أخرى، دعونا نعود ونتصور أن النظام السوري انتصر في معركته الطويلة -على افتراض أننا تجاهلنا أن النظام له أعداء من تيارات مختلفة-، فهو سيبدأ ببناء البلد مرة أخرى، وكيف سيبنيه، وهو قد زرع الدماء في كل بيت في سورية؟ من أين له المادة، وهو قد استنزف كل الأموال السورية في حربه المجنونة؟ كيف سيصنع الثقة التي هدمها في نفوس المواطنين السوريين؟ كيف سيتعامل مع العرب والعالم، وهو الذي يعتبر نظاماً فاشياً لن يعترفوا به؟
في المقابل، الوقوف مع «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» جنون رسمي، لا يعمله إلا معدومو الضمير والإنسانية ومدعو الدين، فضلاً عن أنهم أصبحوا -الآن- أدوات تُستخدَم للهدم والتنكيل وتمزيق الأمة العربية، وفي الأخير لن يسمح لهم أحد بالانتصار، فهم كمسمار جحا يتم بهم ترهيب الآخرين.
من الطبيعي أن يتساءل بعضنا عن البديل؟ أعتقد بأن دعم التيار المعتدل في سورية هو الحل الوحيد، على رغم ضعفهم العسكري، إلا أنهم يمثلون ما يريده الشعب السوري الأبي.
الحياة _ وطن اف ام