مقالات

ميشيل كيلو : إنها معركة الحسم

تدور، منذ نيف وعشرة أيام، معركة هي الأكبر جنوب سورية: في المنطقة التي تصل ريف الجولان بدرعا وجنوبي دمشق، ويشارك فيها على الجانب الأسدي قرابة ثلاثين ألف جندي، معظمهم من الحرس الثوري الإيراني ومرتزقة حزب الله والعراق وبلدان عربية شمال إفريقيا، فضلاً عن كوريين وأفغان وجنسيات متعددة أخرى، وحشد هو الأكثر كثافة بالأسلحة البرية والجوية، والذخائر الحديثة والمحرمة دولياً.

قبل العملية، أعلنت دمشق عن لقاء ضم بشار الأسد والجنرال قاسم سليماني، المشرف العسكري الإيراني على العراق وسورية ولبنان، والذي تولى قيادة العمليات الحربية، بعد أن أشرف طوال أشهر على إعداد كل ما يلزم لتنفيذها، وأرسل جنرالاته ومساعديه لاستطلاع مسرح العمليات ورسم الخطط الميدانية على أرض الواقع، حيث قتل الإسرائيليون واحداً منهم كان برفقة جهاد مغنية الذي كان الإسرائيليون قد قتلوا والده في دمشق.

… وقيل، قبل بدء العمليات، إن هدفها ربط الجولان وجنوب سورية بجنوب لبنان وشرقه، لبناء مسرح صراع واسع يتحدى قدرات الجيش الحر، المتفوق نسبياً في الجنوب السوري على جيش الأسد، ومن المحتم أن يعجز عن التحكم بميدان القتال الجديد، وعن إحراز انتصار فيه يقلب موازين المعركة لصالح الثورة ويسقط النظام، حتى إن هزم جيش الأسد الذي يجب أن تضع المعركة الجديدة حداً لخساراته المتكررة، التي طاولت معظم وحداته الكبيرة جنوب سورية، مع ما ترتب على ذلك من تراجع في خط الجبهة نحو دمشق التي صارت في قبضة تهديد حقيقي، يؤذن بانهيار الأسد ونظامه، إن بقيت الأمور على مسارها الراهن.

هذا الهدف، المسكوت عنه، لا بد أن يضاف إلى هدف استراتيجي الأهمية والأبعاد، هو تحديد مناطق الوصل والفصل المستقبلية بين إيران وإسرائيل في المنطقة بين لبنان وسورية وفلسطين المحتلة، ورسم مواقع نفوذ كل منهما، عندما سيقوم تقاسم وظيفي بينهما، غرضه السيطرة على المنطقة العربية، تحت إشراف أميركا، مع ما يمليه ذلك من تعاون وتنسيق يبدأ بإطفاء الثورة السورية، وفرض تغيير جذري في علاقات بلدان الجوار الداعمة لها، كالأردن ودول الخليج.

صدّ الجيش الحر، واحتوى معظم هجمات جيش المرتزقة الدولي الذي تكبد خسائر فادحة جداً في العتاد والأفراد، وفقد القسم الأكبر من الأراضي التي احتلها، عند بداية هجومه الواسع على جبهةٍ، عرضها ثلاثون كيلومتراً بدعم كثيفٍ جداً من الدبابات والمدافع الثقيلة والغارات الجوية المتلاحقة. ومع أن سليماني يحاول تشتيت قوة الجيش الحر بواسطة اختراقات تتم في أماكن عديدة خلال وقت واحد، فإنه لم يحرز، إلى اليوم، أي تقدم ميداني مهم، على الرغم من أكاذيب حزب الله، الحريص على ما نشره من أوهام حوله، طرفاً لا يخسر ولا يقهر.

يريد الإيرانيون حسم معركة الجنوب بأي ثمن، وإلا فالتموضع في مناطق تصل سورية بإسرائيل، وعزل وسط حوران وشرقها عن دمشق، ليظلا جيباً بلا قيمة، أو خطورة عسكرية وسياسية، في حال بقي في يد الجيش الحر، لما للوضع المنشود من أهمية، لحسم مجمل الصراع السوري، خصوصاً أنه أعقب هجوم الجنوب هجوم لاحق في الشمال، يخرج تركيا من الشأن السوري، ويطوق حلب أو يسقطها، فتتكامل، عندئذٍ، أوضاع الميدان مع حسابات الاستراتيجية العليا التي تحرص أميركا على بلورتها بالتعاون مع إيران، الدولة التي بذلت، في ثلث قرن مضى، أكبر الجهود لاختراق العالم العربي وتفتيته، وتعلن، اليوم، أنها بلغت هدفها في السيطرة على المشرق العربي، وأن انتصار الحوثي في اليمن هو بداية هجومها الواسع في شبه الجزيرة العربية الذي يستهدف، بصورة خاصة، المملكة العربية السعودية.
مثلما يعني انتصار المرتزقة في جنوب سورية بداية نهاية الثورة، تعني هزيمتهم هناك بداية هزيمة إيران في وطن العرب.

ولئن كان ما يدور، اليوم، في حوران يؤكد نشوب معركة حسم الصراع لصالح الأسد، وإنجاز مستلزمات استراتيجية، ستقرر مصير العرب نصف قرن مقبل، على أقل تقدير، فإن على قادة العالم العربي عامة، والخليج خاصة، فهم ما يجري باعتباره معركة تقرير مصير بلدانهم أيضاً، وإدراك الحقيقة، وهي أن هزيمة الجيش الحر والثورة ستؤدي إلى تقويض دولهم، وأن موقفهم السلبي من الجيش الحر والثورة يهددهم أكثر من الانخراط في المعركة، كما أن تحصين الأردن بكل ما يلزمه من قدرات يعد تدبيراً دفاعياً عن بلدانهم ضد غزاة قادمين إليهم، لا مهرب من الرد عليهم بجميع ما في حوزتهم من وسائل قتالية ومالية وسياسية، ضمن منطقة العمليات السورية نفسها، وفي واليمن، قبل أن يطبق طرفا الكماشة الإيرانية عليهم في زمنٍ يتوهمون أنه بعيد، وأنهم في مأمن من مفاجآته، على الرغم من أن أخطاره المرعبة تقرع أبوابهم بعنفٍ يتزايد يومياً، يصم ضجيجه الآذان!

العربي الجديد _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى