مقالات

أمين بن مسعود : الإرهاب وحالة ‘شبه الثورة شبه الدولة’

4 شهداء و11 جريحا، هي حصيلة العملية الإرهابية التي ضربت منطقة بولعابة من محافظة القصرين حاضنة الثورة التونسية وأحد معاقل الرفض والانتفاضة في تونس وأكثر المحافظات اكتواء بنار الإرهاب العابر لجغرافيا تونس منذ أن لفحت رياح الربيع العربي وجه “أفريقيا” في بواكير 2011.

بالعين الداخلية المبتسرة لمسار الأحداث إقليميا ودوليا، كسرت عملية بولعابة إيقاع النجاحات للمؤسستين الأمنية والعسكرية وكشفت عن حاضنة مؤيدة للظلام سواء رهبة أو رغبة. في تونس تمكّنت الجماعات التكفيرية من مؤيدات استخباراتية ومن دعم لوجستي واضح.

وبالعين الخارجية الناظرة إلى العملية ضمن مسلسل تصدير نماذج الدول الفاشلة في الوطن العربي فـ“بولعابة” هي حلقة من حلقات ‘تفكيك الجيوش” و“تسخين الجبهات” الحدودية وتدمير الاقتصاد وتغيير الهوية الثقافية والحضارية للمنطقة المغاربية ككلّ.

وسواء اعتمدنا مقاربة الداخل القُطْري أو انتهجنا زاوية النظر الإقليمية، فالنتيجة واحدة وهي ضرب منطقة شمال أفريقيا عبر إشعال الحدود، واستغلال الجغرافيا الرخوة بين الدول المغاربية. الخطير في الإرهاب، فكرا وممارسة، لا يكمن فقط في “عولمته” وتجاوزه للحدود الجغرافية واستلاب أجيال من الشباب بوعود “افتراضية” شبيهة بمسار التجنيد والتحريض والتحضير الذي يبدأ من فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، وينتهي عند التحوّل إلى بيدق في رقعة شطرنج الكبار ومجرد رقم هين في حسابات اللاعبين الكبار.

الخطير في الإرهاب يتمثل في أنّه يستثمر الفترة الفاصلة بين “مرحلة الثورة” ومرحلة التأسيس والاستقرار. وهي المرحلة التي يسميها علماء الانثروبولوجيا “العتبة” القائمة بين نهاية الثورة وبداية الدولة، وهي من أشد المراحل حساسية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حيث لا تزال رواسب الدولة السابقة تدافع، بشخوصها وأشخاصها وإعلامها وأعلامها، عن شرعيتها ومشروعها، فيما تنافح الدولة الجديدة عن شعارها وشارعها.

في حالة الشبه دولة والشبه ثورة، تتدخل التنظيمات الإرهابية بعناوينها الأخاذة وإعلامها اللافت لإسقاط جذوة الثورة وتدمير مؤسسات الدولة، قبل أن تعمم وتسحب نموذج الفشل على الأقطار القريبة.

بهذا المنطلق، تدخلت “داعش” وأنصار الشريعة في ليبيا زمن “الغموض” الثوريّ، فأسقطت أدبيات الإصلاح بالسلاح وأجهضت مسالك التعبير والتفكير بالتكفير، ووظفت الخرافة لتسويق “الخلافة” المزعومة.

وبنفس المنطق تقريبا، يضرب الإرهاب في مصر ساعيا إلى الحيلولة دون تأمين القاهرة لمرحلتها الانتقالية، وراميا أيضا إلى تحويل مصر من حالة “العتبة” إلى حالة “العتمة”. وليس بعيدا عن هذا المسار، يكثف الإرهاب ضرباته وعملياته لتونس، تائقا إلى ضرب مسار ومسيرة الانتقال السياسي في مقتل، أو على الأقل جعل تكلفة “النجاح” الثوري باهظة ومكلفة على المجموعة الوطنية برمتها.

ولئن نجح الإرهاب في ليبيا في تحويلها من “انتفاضة على سلطة بلا مؤسسات” إلى “كيان فاشل بلا ثورة ولا مؤسسات”، فهو يسعى حاليا إلى “تعميم” نموذج الفشل على مصر وتونس بالتحديد، وإعادتهما إما إلى “دولة بلا ثورة”، أو تحويلهما إلى “ثورة بلا دولة”. أليس من باب المفارقة أن تشتعل الحدود الثلاثة لمصر على جغرافيا إرهابية “فاشلة” من “سيناء” و”غزة”، دون تعميم للواقع الغزاوي، إلى السودان وليبيا، وأن تنفتح تونس على حدود محترقة جنوبية تعيش على وقع عشرية دم قادمة، وأخرى جزائرية غربية لا تزال تعيش على حرقة عشرية دم سابقة، وتخشى من أي تطوّر ميداني ينكى في جروح الماضي القريب.

وكأنّ “اللاعبين” الكبار في الخارج والوكلاء الصغار في الداخل لا يقبلون إلا بـ “الإبادة” الحضارية والسياسية للبلدين عبر “تأبيد” حالة “شبه ثورة، شبه دولة”.

جزء من حالة المواجهة والمقاومة لـ “داعش” متمثل لا فقط في جمع الليبيين على طاولة حوار واحدة، بل أيضا تجاوز حالة “الشبه الشبه” في تونس ومصر، على شرط أن لا تكون الدولة على حساب الثورة، حتى وإن كانت الثورة في الكثير من الأحيان على حساب الدولة.

العرب اللندنية _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى